تخطى الى المحتوى

جدول المحتويات

 

ورويدا رويدا بدأ الليل ينشر راياته السود على وجه البسيطة وعلى نجد جميل سهل المرتقى نصبت خيمة وفى فنائها تجلس بعض النساء حول دردق زغب الحواصل كأشبال الحطيئة يجنحون إلى النوم وتقص عليهم "زنابه "حكايات روتها بدون واسطة وبسند متصل عن جدتها الدارجة علهم يصبرون حتى يروح أبوهم القطيع الذى بدأ هزيم قرمه يسمع واضحا وليس بعيدا كما يبدو وهنيهة جاء السالك وقد تمنطق بعقال وعلى رأسه حزمة حطب ألقاها أمام الخيمة متأوها ثم ألقى على أهل الخيمة التحية ونادى على الصغير "بوكرين" قائلا ناولنى "آدرس" فحلب وكنا نسمع شخب ضرع الناقة المنفض..

 

ثم أقبل علينا جماعة "المستحلبين" وجلس منا مجزر الكلب وعلى غير فراش ثم نادى على "زنابه" ناولينى "الفرنة" و"المواعين" وبدأ في إعداد الشاي الذي هو أعز ما يقرى به الضيف لدى القوم ثم طفق وبدون مقدمات ومن دون تورية يحدث عن أيامهم الخوالي وعدد المنازل وما شاهدوه في طريقهم من ضوال الإبل وغريبها وفي المجلس من يذاكره "تذاكر طلاب العلوم الشواردا".

 

وأفاض القوم في أحاديث عذبة لا تكلف فيه ولا لفظة دخيلة على قاموسهم العصي على وافد العولمة..

 

أحاديث قريبة إلى الروح تذكرك وأنت القادم من هجين المدن بلييلات البادية ومساءاتها الجميلة ونيرانها المرتعشة وهزيم القرم ونبيب التيس ونباح الكلاب وأشياء تعز على الوصف تحس من خلالها ما معني أن تتمني ميسون بنت بحدل الكلبية "أحاديث الرعاة وخيمة بنجد".

 

وأن تردد على مسامع الخليفة معاوية بن أبى سفيان وقد نقلها من بادية بني كلب إلى عاصمة الخلافة الأموية دمشق وبنى لها قصرا منيفا على مشارف الغوطة ذلك الحنين السرمدي إلى الطبيعة ونقائها والحياة بدون مساحيق ورتوش:

 

لــبــيــت تــخــفــق الأرواح فـــيـــه *** أحـــب إلـــيّ مـــن قـصــر مـنـيــف

ولــبــس عــبــاءة وتــقــرّ عـيــنــي *** أحـب إلــيّ مــن لـبـس الشـفـوف

وأكـل كسـيـرة فــي كـسـر بيـتـي *** أحــب إلـــيّ مـــن أكـــل الـرغـيـف

وأصـــــوات الــريـــاح بــكـــل فـــــج *** أحـــب إلـــى مـــن نـقــر الـدفــوف

وكـلــب يـنـبــح الــطــراق دونــــي *** أحـــب إلــــي مــــن قــــط ألــيــف

وبــكــر يـتـبــع الأظــعــان صــعـــب *** أحـــب إلـــي مـــن بـعــل زفــــوف

وخــرق مــن بـنـي عـمـي نـحـيـف  *** أحـــب إلـــي مـــن عـلــج عـنــوف

خشونة عيشتي في البدو أشهى *** إلـى نفسـي مـن العيـش الطريـف

فـمـا أبـغـي ســوى وطـنـي بـديـلا *** ومــا أبـهــاه مـــن وطـــن شـريــف

 

الأحدث