تخطى الى المحتوى

الأخبار إنفو: "التأجيل" سيد الموقف في قطاع العدالة

جدول المحتويات

 

وقد ألغي الاحتفال بافتتاح السنة القضائية منذ أربعة أعوام حيث نظم آخر احتفال بانطلاقتها في العام 2011، كما نقل الحفل لأول مرة خارج المنشآت القضائية، وتحديدا قصر العدل في انواكشوط، حيث نظم في قصر المؤتمرات.

 

وقد سيطر موضوع مناهضة التعذيب الذي اختير كشعار للحفل على الكلمات الرسمية، إلا العديد من المواضيع الأخرى ألقت بظلالها عليه، وخصوصا ما يصفه متابعون للملف بالقضاء بسيطرة الثقافة الاستعراضية على المجال القضائي، وهو يحول – حسب هؤلاء – دون الحسم في العديد من الملفات المؤجلة، سواء المحاكمات، أو الأنشطة الرسمية، أو حتى تطبيق النصوص الدستورية والقانونية، إضافة لإقامة المؤسسات العدلية.

 

وقد أدت الوضعية التي وصلها القضاء إلى خروج العديد من رجالاته عن صمتهم، حيث عرفت الأيام الماضية إصدار قضاة لبيانات استقالة من نادي القضاة، إضافة لمقال لأحد القضاء في المحكمة العليا وصف فيها وزارة العدل بأنها "أكبر عقبة أمام إصلاح القضاء".

 

"التأجيل" كان إحدى الكلمات المفتاحية الت سيطرت على تشخيص واقع القضاء، وذلك بعد حضوره في أكثر من مجال المجالات القضائية.

 

تأجيل نفاذ الدستور

خصص التعديل الدستوري الذي أجري في موريتانيا في العام 2012 على جملة من الإجراءات في المجال القضائي من أبرزها تقسيم المجلس الأعلى للقضاء إلى تشكلتين، إحداهما مختصة في القضاء الجالس، وأخرى مختصة في قضاء النيابة العامة.

 

وجاء نص المادة: 89 (جديدة) في الفقرة الثالية: "يتألف المجلس الأعلي للقضاء من تشكيلين إحداهما مختصة في القضاء الجالس، والأخرى مختصة في قضاء النيابية العامة"، فيما نصت الفقرة الأولى على أن "السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية"، وأكدت الفقرة الثانية أن "رئيس الجمهورية هو الضامن لاستقلال القضاء. ويساعده في ذلك المجلس الأعلى للقضاء الذي يرأسه".

 

وقد أشرفت وزارة العدل خلال الأشهر التي تلت التعديل الدستوري على إصدار المراسيم المنفذة للقوانين المرتبطة بهذا التعديل الدستوري، فيما تم تأجيل نفاذ المواد الدستورية المتعلقة بالمجلس الأعلى للقضاء، حيث واصلت تشكلته الموحدة اجتماعاتها، وكان آخر اجتماع له هو دورته العادية نهاية العام 2014.


تأجيل إقامة المنشآت

وكما تأجل إقرار الجوانب الدستورية المتعلقة بالقضاء تأجل كذلك إقامة المنشآت القضائية سواء مباني المحاكم، أو المنشآت السجنية، حيث تعتمد العديد من المحاكم على دور مؤجرة، فيما يصل الأمر في المؤسسات السجنية إلى أكثر من 50%.

 

وأظهرت معطيات رسمية حصلت عليها "الأخبار إنفو" أن عدد المنشآت السجنية في موريتانيا يبلغ 15 منشأة، لا يتجاوز عدد المملوك منها للحكومة الموريتانية 7 منشآت، فيما توجد البقية في منازل خصوصية مؤجرة، لا تحترم المعايير الدولية للمنشآت السجنية.

 

وتوجد 3 من هذه المنشآت في في العاصمة انواكشوط، من بينها السجن الوحيد للنساء في عموم البلاد.

 

وكشف تقرير رسمي رصد وضعية هذه المنشآت أن 5 منها متهالكة، و5 في وضعية متوسطة، أما الخمسة الباقية ففي وضعية جيدة.

 

تأجيل المحاكمات

ومن الملفات التي تواجه تأجيلا مزمنا، ملف المحاكمات في القضاء الموريتاني، وتظهر الإحصاءات الرسمية داخل السجون الموريتانية إلى أن أكثر من 50% من نزلاء هذه السجون البالغ عددهم حوالي 2000 نزيل يوجدون في وضعية سجن احتياطي أو تحكمي، ولم تصدر في حقهم أي أحكام قضائية، أحرى أن تتم إدانتهم.

 

وغالبية نزلاء السجن من دون إدانة هم من أصحاب الجرائم الشائعة كسرقة الأشياء ذات القيمة المادية المحدودة، أو من المشاجرات في الشوارع، إضافة لصغار باعة الحشيش أو المخدرات.

 

وأعادت حادثة احتجاز عنصرين  من عناصر الحرس على يد مجموعة من السجناء السلفيين نهاية يناير الماضي الجدل حول وضعية السجون والنزلاء، وكذا حول مواقع هذه المنشآت، وتجاوزها لطاقتها الاستيعابية، حيث وقعت في سجن يوجد بين قيادة أركان الدرك الوطني، والإدارة العامة للجمارك، وغير بعيد منه توجد قيادة أركان الجيوش، إضافة لمؤسسات مالية وحكومية، بينها الوزارة الأولى، وقصر العدل.

 

أما بالنسبة لطاقته الاستيعابية فلا تتجاوز 100 نزيل، فيما كان فيه وقت وقوع الحادث الأمني 150 نزيلا، من بينهم حوالي 100 لم تصدر في حقها أحكام قضائية، (36 متهمون في قضايا إرهاب، وحوالي 30 جرائم متعلقة بشيكات بدون رصيد، أو عمليات فساد، والبقية متهمون في جرائم الحق العام).

 

تأجيل الاحتفالات

أجلت السلطات القضائية في موريتانيا احتفالاتها بالنسبة القضائية طيلة الأعوام الأربعة الماضية، دون إعلان مبرر هذا التأجيل، وقبل ذلك كان الاحتفال في السنوات التي ينظم فيها يتأجل لقرابة ثلاثة أشهر، حيث نظم آخر نسخة – قبل نسخة يوم أمس – في 14 مارس 2011.

 

وتنص المادة: 3 من الأمر القانوني رقم: 012 – 2007 الصادر بتاريخ: 08 فبراير 2007 والمتضمن للتنظيم القضائي، على أن "تبدأ السنة القضائية يوم فاتح يناير، وتنتهي يوم 31 ديسمبر".

 

تأجيل الخلافات

ومن المواضيع المؤجلة في الملف القضائي تأجيل الخلافات، حيث تطغى على السطح من حين لآخر خلافات بين أطراف فاعلة في المشهد القضائي، ويستقوي كل طرف فيها بأطراف خارج المشهد، دون أن يتم اللجوء في الغالب إلى النصوص القضائية كحكم بين الأطراف.

 

وقد آخر الخلافات داخل الجسم القضائي قضية استقالة قاضيين على الأقل من نادي القضاة إثر حضور النادي لبرنامج تلفزيون لوزير العدل، إضافة لأزمة الخلاف حول اختيار محلفين لصالح محاكم انواكشوط، وتشكل أحد أطراف الخلاف من وكيل الجمهورية وعدد من القضاة، وفي الجانب الآخر وزير العدل والمدعي العام لدى المحكمة العليا، إضافة للمدعي العام لدى محكمة الاستئناف.

 

فقد ألقى وزير العدل سيدي ولد الزين بكل ثقله وراء التجديد للمحلفين لدى محاكم انواكشوط، وهو ما رفضه وكيل الجمهورية في انواكشوط الغربية الشيخ ولد باب أحمد، وأدى الأمر لدخول الطرفين في نقاشات حادة، أكدت مصادر الأخبار إنفو تلفظ وكيل الجمهورية خلالها بكلمات نابية في حق المدعي العام لدى المحكمة العليا.

 

وبعد فترة من الخلافات قرر وزير العدل وزير العدل والمدعي العام تجاوزه  وكيل الجمهورية في الموضوع بناء على مبدأ وحدة النيابة العامة، حيث كلف الوزير المدعي العام لدى محكمة الاستئناف باقتراح اللائحة المدعومة من وزير العدل وتمت إحالتها إلى رئيس محكمة الاستئناف بانواكشوط حيث اعتمدها بشكل رسمي.

 

 وتم لاحقا تبادل مراسلات حول الموضوع، ختمت بتأجيل الخلاف إلى حين، كما هو الحال في ملفات أخرى عديدة.

 

يوم 31 – 03 – 2015 شارك وزير العدل سيدي ولد الزين في برنامج تلفزيوني على قناة "الموريتانية" الحكومية، وكان تحت عنوان: "الحكومة في ميزان الشعب"، وقد حضر قادة نادي القضاة الموريتانيين البرنامج بناء على دعوة من التلفزيون، كما أوضحوا ذلك في بيان صحفي لاحق.

 

أثارت خطوة القائمين على النادي بحضور البرنامج استياء عدد من القضاة، وصلت درجة الاستقالة من النادي حيث أعلن القاضيان عبد الله ولد أحمد ينجه، عضو المجلس الوطني لنادي القضاة، ومحمد ينج ولد محمد محمود رئيس محكمة تمبدغه استقالاتهما من النادي، وبرر ولد أحمد ينجه استقالته بأنها جاءت احتجاجا على "مشاركة الأمين العام باسم نادي القضاة كديكور في برنامج سياسي من دون التشاور مع القضاة ومن دون أن يتحدث أو يطرح مشاكل".

 

وأكد ولد أحمد ينجه أنه وبعد عمله "بالقرار الذي اتخذه نادي القضاة بالتنازل عن الدفاع عن القضاة والظهور إلى جانب وزير العدل في برنامج (في الميزان) الليلة الماضية كديكور سيء الإخراج متحولاً بذلك من ممثل للقضاة إلى مساعد لوزير العدل".

 

وأضاف القاضي في البيان الذي وزعه على وسائل الإعلامي أن هنالك عدة قضاة آخرين يفكرون في الاستقالة من النادي، ويخضعون لضغوطات تمنعهم من ذلك. حسب تعبيره.

 

خروج القضاة عن الصمت

وقادت الخرجة الإعلامية لوزير العدل إلى خروج عدد من القضاة عن صمتهم، فإضافة إلى القضاة المستقيلين من نادي القضاة الموريتانيين خرج قاض آخر ومستشار بالمحكمة العليا هو محمد المختار ولد الفقيه بمقال شديد اللهجة، وصف فيه وزارة العدل بأنها "في فكرها ومنهجها وسلوكها اليومي هي أول معوق وأكبر عقبة أمام إصلاح القضاء"، محذرا من أن "تَغُرَّن أحدا منكم الخرجات الإعلامية التي يقصد بها ومنها إيهام السلطات العليا بان القطاع في أحسن أحواله، ولا تخدعن أحدا من بينكم الأوراش والندوات التي تقام تنفيذا لبرامج سنوية؛ فهي لا تقدم بل تؤخر في واقع القضاء لأن الوزارة إنما قامت على رجال يعتبرون القضاء سقط متاع يجب أن يضرس بالأنياب ويوطأ بكل منسم!".

 

وأكد ولد الفقيه – في المقال الذي وصلت الأخبار نسخة منه – أن "القضاء يعاني"، مردفا أنه "المسؤولية الأولى تقع على عاتق وزير العدل أولا وأخيرا، فهو ترجمان الحال ولسان مقال القضاة وإذا كان الحديث الشريف يعلن أن القضاة ثلاثة: قاض في الجنة وقاضيان في النار، فإن الوزير يُعين وحيدا ويُقال وحيدا؛ فليشفق على نفسه من أن يصيبه شرر نار القاضيين المُحَرَّقين!".

 

ووصف ولد الفقيه تمادي "وزراء العدل في تضليل السلطات العليا بأن القضاء بخير، وأن أحوال القضاة، والمحاكم، والسجون على ما يرام؛ بالجرم الذي يدفع المتقاضون ثمنه يوميا وستدفع أجيال قادمة أثمانا أكبر إذا لم يتدارك الأمر".

 

وشدد ولد الفقيه على أنه لو كان يعلم أن وزير العدل سيعيره سمعه حتى يستوفي ما يقول لما كتب "حرفا مما سأقوله هنا ولطرقت بابه المشرع لكل من هب ودب، لكنني موقن أن سمعه محتكر من قبل زميلي وأخي المدعي العام وسعادة نقيب المحامين المُزكىَّ، وآخرين من دونهما الله يعلمهم!!. حسب نص مقال المستشار.

 

وأضاف: "ولو كنت أعلم أيضا أن في وقت معالي الوزير متسعا للقراءة لسلمته ملاحظاتي هذه يدا بيد ممهورة بالعبارة المكرسة "سري للغاية"، لكن التجربة علمتني أن رفوف مكتب معاليه تعج بالملفات والدراسات والمذكرات ومن بينها مذكرات حررناها بطلب من معاليه يوم "تربعه على عرش الوزارة" لم يقرأ منها سطرا، و لم يناقش فيها أحدا على حد علمي، رغم انسلاخ عام وثلاثة أشهر على ذلك!!".

 

وطالب ولد الفقيه السلطات العليا في البلاد "بتشكيل هيئة عليا مكلفة بإصلاح منظومة القضاء إصلاحا شاملا يحقق أهداف البلد في الرقي السياسي، والازدهار الاقتصادي، ويحمي لحمة وتماسك المجتمع وأمنه واستقراره"، مضيفا أن على القضاة أن يعلموا أن "أجيالا حالية وأخرى قادمة من القضاة تستحق أن نضحي من أجلها بأن نورثها جسما قضائيا طاهرا من كل ما نحمله من رواسب الفساد والجهل والاستهانة بمنصب القضاء الذي لن أمل من تكرار أنه تدخل بين الخالق والخلق، فهل من مُدَّكر؟!".

 

خروج القضاة عن صمتهم لفت انتباه قاض آخر هو القاضي أحمد عبد الله المصطفى حيث كتب على صفحته في فيسبوك:

 

"زمن حق التعبير يشتت حُجُب التحفظ.. 

يتوزع القضاة في العالم بين هيئة القضاء الجالس، وهيئة القضاء الواقف، وفي موريتانيا، كانت تجمعهم هيئة القضاء الساكت.. 

هيئة جديدة تولد، إنها هيئة القضاء المتكلم.. كان كل "شيء" يتكلم "في" القضاء، والقضاء ساكت..

لكنه بدأ يتعلم النطق، بغير الأحكام، وإن تأخر هذا النطق.. 

كثير من الفصحاء والبلغاء تلكموا متأخرين..

من الظلم يولد الكلام..

الكلام أول مدارج الحرية..

أرى حُجُب التحفظ تنزاح..

مع كل إشراقة لقاض بمصباح ولو ضئيل نحو المعاناة..

لكل من "يُصَبِّحُ" فينا آخر هذا الليل "الكلام شيء من الوعي" أقول: صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ..

زمن حرية التعبير يشتت حجب التحفظ..".

 

وليلة ظهور وزير العدل على قناة "الموريتانية" كتب القاضي هارون عمار أديقبي على صفحته في فيسبوك: "غدا في الميزان… {ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط}.

 

نقلا عن صحيفة الأخبار إنفو

 

 

 

 

الأحدث