تخطى الى المحتوى

الأخبار إنفو: دبلوماسية موريتانيا بلا دبلوماسيين (نص الملف)

جدول المحتويات

فضلا عن غياب سياسة خارجية مكتوبة، وتوقف التكوين في هذه القطاع الحيوي، وتحوله مع الزمن – حسب دبلوماسين موريتانيين – إلى إقطاعية للنافذين يبتعثون من خلاله من يرغبون في ابتعاثه إلى الخارج على حساب الخارجية الموريتانية.

 

وكشفت الوثائق أن عدد الاكتتابات التي قامت الدبلوماسية الموريتانية لصالح هذا القطاع لم تتعد أربعة اكتتابات، كان أولهم في العام 1979 – 1980، وقد تقاعد جل المكتتبين فيها، وقد تأخر الاكتتاب الثاني حتى العام 2007، وجاء الاكتتاب الثالث في العام 2009، وكان الاكتتاب الأخير في العام 2011، وهو ما وفر للقطاع الدبلوماسي عشرات المستشارين الدبلوماسيين، وملحقي الشؤون الخارجية، غير أن الدفعات الأخيرة ظلت بعيدة عن مواقعها في الدبلوماسية، فيما أسندت المهام الأساسية، وخصوصا في البعثات الخارجية إلى أشخاص تمت إعارتهم من قطاعات أخرى، أو عينوا من خارج الوظيفة العمومية في المناصب الدبلوماسية.

 

%84 لغير الدبلوماسيين

المعطيات التي حصلت عليها صحيفة الأخبار إنفو أكدت أن عدد الدبلوماسيين بين رؤساء البعثات الدبلوماسية الخارجية لموريتانيا لا يتعدى 7 سفراء من أصل 44، في حين تمت إعارة البقية من قطاع التعليم أو قطاع العدل، أو القطاع الزراعي، أو من خارج الوظيفة العمومية.

 

وسيطر القادمون من خارج السلك الدبلوماسي على قيادة البعثات الدبلوماسية في العواصم المهمة حول العالم، حيث يتولى المحام وموثق عقود محمد الأمين ولد الحيسن قيادة الدبلوماسية الموريتانية في نويورك، فيما يتولى الكاتب الصحفي محمد محمود ولد إبراهيم تمثيل موريتانيا في برلين بألمانيا، وفي ابروكسل يمثلها الإداري المدني عبد الله الناجي الكبد، وفي باريس تتولى الأستاذة عيشة بنت امحيحم المنصب الأول في السفارة الموريتانية هناك، كما يمثل أستاذ آخر هو با محمد الحبيب موريتانيا في العاصمة الصينية بكين، وثالث في الجزائر هو بلاه ولد مكيه.

 

وللـ"بدون" حضورهم البارز في البعثات الدبلوماسية الموريتانية، وتمثيلهم المعتبر، حيث يمثلهم، محمدن المختار داداه في واشنطن، ومحمد ولد حناني في بريتوريا، وسيدي عالي ولد سيدي عالي في مدريد، والبكاي ولد حمادي في أنغولا، وشيخنا ولد النني في داكار، وسيد محمد ولد محمد الراظي في قنصلية لاس بلماس، وعبد الله إدريسا في ابرازيليا، وحامد حاموني في الكويت، ومحمد محفوظ ولد يحي في صنعاء، وحمود ولد عبدي في طرابلس، وأحمد المختار بوسيف في ابرازفيل،

 

أما "القلة" الدبلوماسية التي تمثل موريتانيا في الخارج، فهم:

1.   سفير موريتانيا في ابوظبي: سيدي محمد حننه.

2.   سفير موريتانيا في أبوجا: با عبد الرحمن.

3.   سفير موريتانيا في أديس بابا: باس أبا العباس، وقد تم تعيينه في المنصب قبل أشهر قليلة من إحالته للتقاعد، حيث أمضى عمره المهني في مباني الخارجية بانواكشوط.

4.   سفير موريتانيا في القاهرة وممثلها في الجامعة العربية: ودادي سيدي هيبة.

5.   سفير موريتانيا في الدوحة سيدي محمد لغظف.

6.   سفير موريتانيا في طوكيو: انجام يحيى.

7.   قنصل موريتانيا في بيساو: دمان محمد همر.

 

%85 في الإدارة المركزية من غير الدبلوماسيين

سيطرة غير الدبلوماسيين طالت أيضا الإدارة المركزية في وزارة الخارجية الموريتانية، والتي يتم تنظيمها طبقا لمضمون المادة: 6 من المرسوم 189-2014 الصادر بتاريخ 7 سبتمبر 2014 المحدد لصلاحيات وزير الشؤون الخارجية والتعاون وتنظيم الإدارة المركزية لقطاعه، وتتشكل هذه الإدارة – إضافة للبعثات الدبلوماسية والقنصلية – من:

 

الوزارة المنتدبة المكلفة بالشؤون المغاربية والإفريقية والموريتانيين في الخارج.

 

ديوان وزير الشؤون الخارجية: ويتشكل من 13 موظفا، لا يتجاوز عدد الدبلوماسيين بينهم اثنين، وهؤلاء الموظفون هم: (مكلفين اثنين بمهمة، ثلاثة مستشارين فنيين، مفتشية عامة ومساعدة، أربعة ملحقين بالديوان، كاتب خاص).

 

الأمانة العامة لوزارة الخارجية: وقد عين لها قبل في التعديل الأخيرة المستشار الدبلومسي في السفارة الموريتانية.

 

ديوان الوزير المنتدب: وتتولاه عايده انيانغ، وهي من خارج الوظيفة العمومية.

 

المديريات المركزية لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون (14 مديرية، يدريها 14 مديرا من بينهم دبلوماسيين اثنين فقط: هما محمد ولد عبد العزيز في إدارة التشريفات، الحسن سيدي عبد الله الديه في مديرية العالم العربي والمنظمات الإسلامية – السفارة الموريتانية في اكوالالامبور).

 

ورغم شغور عدة مناصب ومديريات ضمن الإدارات المركزية بوزارة الخارجية إلا أن حظوظ الدبلوماسيين المهنيين ظلت قاصرة عن توليها، ومن بين الإدارات الشاغرة: (المستشار القانوني للوزير – إدارة مديرية الشؤون الأمريكية والآسيوية – مديرية المصادر البشرية حيث تتولاه مفتشة تعليم أساسي بالنيابة – مديرية إفريقيا).

 

دوس على القانون

ورغم صراحة المرسوم رقم: 075 – 93 الصادر بتاريخ 5 يونيو 1993 المحدد لشروط تنظيم الإدارات المركزية والمبين لإجراءات تسيير ومتابعة البنى الإدارية، وخصوصا في مادته: 13 على أن مناصب: مراقب شؤون إدارية، مفتش، مدير، مدير مساعد، رئيس مصلحة، رئيس قسم يتم شغلها من طرف وكلاء أكفاء وذوي تجربة ينتمون إلى الفئة "أ" من الوظيفة العمومية"، ومنع شغلها على غيرهم إلا في حالة استثنائية هي عدم وجودهم، فإن إدارات الخارجية ظلت خارج هذا النص القانوني، حيث يكشف واقعها وجود عشرات الموظفين الدبلوماسيين في حالة بطالة واقعية، في حين يتولى أشخاص من خارج الوظيفة العمومية أو من قطاعات أخرى ومن رتب أقل أعلى المناصب في القطاع الدبلوماسي داخليا وخارجيا.

 

كما تعطل وزارة الخارجية الموريتانية مرسوما آخر يحمل الرقم: 022-2007، وقد صدر بتاريخ: 15 يناير 2007 وهو المرسوم المحدد للنظام الخاص لأسلاك الدبلوماسية والقنصلية، حيث نص على أن الخدمة المهنية للدبلوماسيين تتم على شكل تبادل بين الإدارة المركزية والمصالح الخارجية.

 

كما حدد هذا المرسوم المهام الرئيسية للوكلاء الدبلوماسيين في:

·       تمثيل موريتانيا لدى الدول والمنظمات الدولية والإقليمية وشبه الإقليمية.

·       ترقية المصالح الموريتانية في الخارج.

·       تطوير علاقات الصداقة والتعاون مع البلدان الأخرى.

·       ترقية سمعة موريتانيا في الخارج.

·       المشاركة في الإشعاع الثقافي الموريتاني في الخارج.

·       التفاوض حول العقود والمعاهدات والاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف.

 

لكن واقع وزارة الخارجية أبقى الدبلوماسيين خارج دائرة الفعل الدبلوماسي، حيث لم توكل إليها أي إدارة في الداخل، ولا بعثة دبلوماسية في الخارج.

 

وكما كان أغلب مديري إدارات وزارة الخارجية ورؤساء البعثات الدبلوماسية من خارج الدبلوماسيين المهنيين، جاء رأس الوزارة ليكمل المشهد، حيث يتولى وزارة الخارجية اليوم حمادي ولد اميمو، الحاصل على شهادة في التسيير المالي، وهو سياسي بارز في المناطق الشرقية من البلاد، حيث فاز بمنصب نائب عن مدينة كوبني لمأمورتين لم يكمل أيا منهما، حيث غادر الأولى إلى السفارة الموريتانية في الكويت، فيما غادر الثانية إلى أديس بابا، قبل أن يعين وزيرا للخارجية.

 

أما الوزيرة المنتدبة لدى وزير الخارجية، والمكلفة بالشؤون المغاربية، والإفريقية، وبالموريتانيين في الخارج، فهي قادمة من خارج الوظيفة العمومية، حيث كانت تعمل موظفة في القنصلية الشرفية لكندا في انواكشوط حتى تاريخ تعيينها بداية العام 2015 وزيرة منتدبة.

 

وتفضيل مالي..

وكما نال غير الدبلوماسيين تفضيلا في مجال التعيينات داخليا وخارجيا، كانت لهم حظوظهم في التفضيل المالي، حيث منحهم المرسوم رقم: 149 – 2015 الصادر بتاريخ: 07 سبتمبر 2015 زيادة سنوية جزافية على شكل رسوم فنادق تضاف على رواتبهم، وتراوحت هذه الزيادة ما بين 2.400.000 و4.800.000 أوقية.

 

ونص المرسوم على جعل هذه الزيادة صافية، وبلغت 4.8 مليون بالنسبة للسفارات الموريتانية في أوربا، و3.720 مليون في الولايات المتحدة الأمريكية، والخليج العربي، و2.4 في إفريقيا.

 

أما الدبلوماسيون المهنيون فلم يستفيدوا من أي زيادة، فيما تعرضت دفعتهم الأخيرة (2014) للمنع من الحصول على جوازات سفر دبلوماسية، حيث رفض مدير وكالة سجل السكان والوثائق المؤمنة امربيه ولد الشيخ الحضرمي منها لهم. حسب مصادر دبلوماسية، وذلك رغم صراحة المرسم رقم: 032 – 2012 الصادر بتاريخ: 26 يناير 2012 المنظم لوثائق السفر في منح المستشارين الدبلوماسيين حق الحصول على جوازات سفر دبلوماسية.

 

تهميش للمهنيين

ويعكس واقع الدبلوماسية الموريتانية تهميشا للمهنيين في هذا القطاع، حيث يوجد قرابة 150 دبلوماسيا مهنيا، ما بين مستشار دبلوماسي ومحلق شؤون خارجية، ينتظر العديد أغلبهم منذ قرابة عقد من الزمن، أن يجد منصبا دبلوماسيا سواء كان داخليا أو خارجيا.

 

ورغم تعذر أخذ رأي رابطة المهنيين الدبلوماسين، ورفض القائمين عليها الرد على المكالمات المتعددة من صحيفة "الأخبار إنفو" إلا أن الوثائق والمعطيات التي حصلت عليها صحيفة الأخبار إنفو، تكشف أن الدفعتين الأخيرتين ما زالتا خارج وظائف الخارجية، رغم أن الأخيرة منها تم تكوينها وفقا لنظام السالك العالي، وامتد تكوينها لمدة ثلاث سنوات، كما من ضمنه خضوعها لتكوين عسكري، أما الدفعة الأولى فقد بدأت أولى خطواتها داخل إدارة الخارجية بعد قرابة عقد على تخرجها، حيث حصل بعض أفرادها على منصب رئيس مصلحة أو قسم.

 

ويرجع الدبلوماسيون المهنيون تهميشهم إلى سبب وحيد، هم تحويل الخارجية الموريتانية عموما، والمناصب الدبلوماسية على وجه الخصوص إلى إقطاعية للنافذين، عسكريين ومدنيين، حيث أدى هذا الواقع لسيطرة غير الدبلوماسيين على هذا القطاع، وهو ما أثر – حسب أحاديثهم – على واقع الدبلوماسية الموريتانية في الخارج، وأفقدها فاعليتها، وأدوارها الكبرى المتاحة لها.

 

ويحدد البرتوكول المعمول به في موريتانيا أربع قطاعات وزارية كقطاعات سيادية وهي: العدل، الخارجية، الدفاع، الداخلية، ويتمتع كل من أسلاك القضاء وإداريي وزارة الداخلية وأسلاك القوات المسلحة بأنظمة خاصة تجعلهم المسييرين الوحيدين لقطاعاتهم وفقا لتراتبية هرمية تراعي الأقدمية والرتبة والتدرج في الوظائف، وتحدد هامش للاستثناء لا يتجاوز الـ10%، كما تتمتع هذه الأسلاك بامتيازات مالية تعتبر الأفضل في نظام الخدمة العمومية (علاوات للوظيفة والسلك)، فيما تشكل وزارة الخارجية الاستثناء الوحيد في وزارات السيادة حيث لا يتمتع الموظفون فيها بأي من هذه الامتيازات لا على مستوى موظفي السلك الدبلوماسي ولا المعينين في الوظائف، بالرغم من أن العرف السائد في معظم بلدان العالم يقتضي أن تكون للدبلوماسيين علاوات للمظهر / الهندام، وأخرى للتمثيل الدبلوماسي.

 

مكافأة للمحامي الخاص

وقد نال المحامي جمال محمد طالب – وهو محامي الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز – مكافأة خاصة من الرئيس، تمثلت في تعيينه سفيرا متجولا، وذلك رغم وجود سفارات موريتانية شاغرة كما هو حال سفارة موريتانيا بماليزيا.

 

وصدر مرسوم تعيين ولد محمد طالب يوم 22 – 04 – 2014، وحمل الرقم: 0119 – 2014.

 

وكان ولد محمد طالب قد تولى – إلى جانب محام فرنسي – رفع دعوى باسم الرئيس الموريتاني على النائب البرلماني الفرنسي انويل مامير، وتابع ملفها لحين اعتذار مامير، وحديثه عن تعرض للتضليل في اتهامه لولد عبد العزيز برعاية تجارة المخدرات في منطقة الساحل.

 

غياب إستراتيجة وتعطل مؤتمر

دبلوماسيون موريتانيون أكدوا في تصريحات لصحيفة "الأخبار إنفو" أن من أكبر العقبات التي تعيق أداء الدبلوماسية الموريتانية إلى جانب تهميش المختصين، عقبة انعدام إستراتيجية دبلوماسية مكتوبة وواضحة، تحكم أداء الدبلوماسيين، مشيرين إلى أنها اليوم تعتمد على التوجهيات الشفوية، وهو ما يؤثر كثيرا على أداء البعثات ويؤدي لإرباكها.

 

وأكد هؤلاء الدبلوماسيين أن غياب هذه الإستراتيجية أدى لتذبذب الموقف الموريتاني من الملف الواحد، وفي فترة وجيزة، مقدمين الملف السوري – والليبي قبله – كنموذج بارز على ذلك، حيث كانت التعليمات تصل البعثة الموريتانية في الجامعة العربية بالتصويت لخيار معين، وفي اجتماع لاحق تصلها تعليمات تناقض التعليمات السابقة، وأحيانا لا تصل التعليمات، ولا توجد وثيقة مكتوبة، ما يجعل البعثة في حال ارتباك شديد خشية الخروج على التوجه الذي قد يكون لدى سلطات بلاده.

 

وقد انعكس واقع الدبلوماسية الموريتانية على الجاليات الموريتانية في الخارج، حيث تواجه العديد من الجاليات مشاكل عديدة، تتعلق بإحصاء أفرادها، وحصولهم على وثائق رسمية، أو تجديدها، أو تعويضها في حال ضياعها، كما يواجهون مشكل غياب الحماية، وخصوصا في مناطق النزاعات، حيث يؤكد دبلوماسيون أن التجربة كشفت أن الدبلوماسيين الموريتانيين في مناطق النزاع يبادرون إلى المغادرة، ويتركون الجاليات لتدبر أمرها بالطريقة التي تراها، ويمثلون لذلك بليبيا واليمن، حيث لجأت الموريتانيين لسلطات دول أخرى للخروج من هذه المناطق.

 

ورغم إعلان وزارة الخارجية منذ يوليو الماضي عن إقامة مركز لعمليات الطوارئ لصالح الجاليات الموريتانية في الخارج إلا أن هذا المركز لم ير النور إلى اليوم، وغابت أي إشارة له في مشروع ميزانية 2016 المعروضة الآن أمام البرلمان!

 

كما أن غياب مؤتمر الدبلوماسيين الموريتانيين والذي كانت آخر نسخة تنظم منه في العام 2000 أيام حكم الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع أثر هو الآخر على الدبلوماسية الموريتانية، وساهم في الوضع الذي وصلت إليه، وأفقدها فرصة لتوجيه بوصلتها بشكل سنوي نحو أهداف البلاد قريبة المدى في المجال الدبلوماسي، وكذا تقييمها لجهودها التي قامت خلال السنة المنصرمة.

 

غياب رأي

وقد حاولت صحيفة الأخبار إنفو أخذ رأي نادي الدبلوماسيين الموريتانيين، وكذا رابطة الدبلوماسيين المهنيين، وهو ما تعذر بفعل اعتذارهم "الدبلوماسي"، أو رفضهم الرد على الاتصالات المتكررة من الصحيفة.

 

 

الأحدث