تخطى الى المحتوى

الأخبار إنفو: من لوث المياه الإقليمية لموريتانيا؟!

جدول المحتويات

وكانت نتيجتها – حسب تصريح الوزير الأول يحي ولد حدمين – "تلوث كبير، وخسائر كثيرة".

 

صحيفة "الأخبار إنفو" تحاول في هذا العدد تتبع كارثة تلوث المياه الإقليمية الموريتانية، وكشف النساريوهات المتداولة رسميا حول الحادث، فضلا عن ردود الفعل على الحادث التي ما تزال تداعياته متواصلة، وربما تتواصل لفترة، وقد تمتد تأثيراته لتطال مجالات مختلفة في البلاد.

 

بداية القضية

تشير معطيات رسمية حصلت عليها صحيفة الأخبار إنفو إلى أن السلطات الموريتانية علمت بحالة التلوث في المياه الإقليمية قبل قرابة أسبوعين، غير أن الإجراءات الإدارية، وطرق التعاطي الرسمي مع الملف، وتعدد درجاته أخر التعاطي معه بشكل جدي حتى بلغ أمده، وفرض نفسه يوم الجمعة الماضي، عندما وصل لشواطئ انواكشوط.

 

ووصفت المصادر طبيعة التعاطي مع القضية "بالمرتبكة"، حيث تأخرت السلطات في اتخاذ الإجراءات اللازمة، من إغلاق للشاطئ، ودخول الجهات الحكومية المعنية بالملف في اجتماعات مفتوحة لمتابعة الملف، وكذا أخذ عينات منه، ومن الأحياء البحرية التي قضى عليها لتحديد نوعيته، ومدى تأثيرها على الحياة البحرية.

 

فقد اكتفت الحكومة في البداية بالإعلان عن ظهور بقع زيتية في المياه الإقليمية الموريتانية، وأكدت في بيان صادر عن وزارة الصيد والاقتصاد البحري أنها تلقت بلاغيا بوجود بقع زيت متناثرة قبالة شواطئ  العاصمة نواكشوط، وأشار البيان إلى اتخاذ الوزارة الإجراءات اللازمة لمتابعة الوضع عن كثب، من خلال عكوفها "على إجراء تقييم دقيق للتهديد المحتمل الذي قد تشكله هذه البقع على الشواطئ وعلى الوسط البيئي البحري".

 

ورغم تأكيد البيان الصادر الأحد الماضي أن "التحاليل المخبرية مكنت من التعرف على نوعيات الزيوت المكونة لهذه البقع"، فإن الوزير الأول يحي ولد حدمين عاد مساء الاثنين ليؤكد أخذ عينات منها وإرسالها إلى المختبر لتحديد نوعيتها، كما وقفت الصالح الحكومية حتى الآن عاجزة عن تحديد مصادر الزيوت رغم تقديم لخيارات قالت إن أحدها قد يكون مصدرها.

 

وفي وقت لاحق أعلنت الحكومة عن اجتماع اللجنة الفنية لخطة "بوليمار"، متعددة القطاعات، والمكلفة بمكافحة التلوث بالزيوت النفطية، وقد استعرضت اللجنة – حسب المصادر الرسمية – مدى جاهزية الخطة للتدخل في الوقت المناسب وبالوسائل المناسبة للتعامل مع هذه البقع عند الاقتضاء.

 

بعد الإعلان الرسمي عن البقع الزيتية بثلاثة أيام قام الوزير الأول يحي ولد حدمين بجولة في الشاطئ، أوصله لإعلان خلاصة قال فيها: "إن التلوث كبير، والخسائر المترتبة عليه كثيرة"، مؤكدا امتداد التلوث لأكثر من 200 كلم، داعيا المواطنين إلى احترام القرار الرسمي بإغلاق الشاطئ أمام الجمهور بشكل كامل.

 

مساء الاثنين – بعد ثلاثة أيام من تأكيد التلوث – عقد وزراء الصيد والبيئة والتجهيز والنقل مؤتمرا صحفيا أعلن فيه وزير الصيد والاقتصاد البحري الناني ولد اشروقه أن البقع الزيتية التي ظهرت الجمعة "كبقع صغيرة متباعدة تحولت خلال 48 ساعة الماضية إلى بقع كثيفة ومتصلة في المنطقة الواقعة بين المرفأ ومنتجع السلطان شمالا فضلا عن وجود بقع صغيرة على امتداد الشاطئ من المرفأ لغاية 20 كيلومترا شمال انجاغو أي على طول حوالي 200 كلم".

 

واعترف ولد اشروقه بعدم تمكن السلطات الموريتانية من تحديد مصدر هذه الزيوت، مشيرا إلى أنها الآن تقوم بمراقبة وتقييم هذا البقع، وذلك من خلال المؤسسات المسؤولة المختصة كالمعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد والمكتب الموريتاني للتفتيش الصحي لمنتجات الصيد واستزراع الأسماك عبر إجراء تحاليل مخبرية لتقديم المعطيات المتعلقة بهذه البقع.

 

أما وزير البيئة والتنمية المستدامة آمدي كامرا فأعلن عن اتخاذ قطاعه لما وصفه "بالإجراءات الاستعجالية كإغلاق المنطقة الواقعة بين المرفأ ومنتزه السلطان في وجه كافة النشاطات الترفيهية و الإبقاء على سوق السمك كمنفذ وحيد لها"، مشيرا إلى قرار بدأ "تنظيف منطقة الشاطئ بالوسائل الميكانيكية".

 

وأشار كامرا إلى إبقاء لجنة "بولمار" – وهي اللجنة المسؤولة عن مكافحة التلوث بالزيوت النفطية – في حالة انعقاد دائم من أجل رصد التهديد المحتمل الذي قد يشكله هذا التلوث على الشواطئ وعلى الوسط البيئي البحري من جهة ولضمان جاهزية الخطة للتدخل في الوقت المناسب وبالوسائل المناسبة للتعامل عند الاقتضاء مع هذا التلوث.

 

أين مصدر التلوث

مصادر صحيفة "الأخبار إنفو" أكدت أن الجهات الرسمية وصلت حتى الآن إلى ثلاث سناريوهات يمكن أن تكون وراء التلوث الذي تعرضت له المياه الإقليمية الموريتانية، وهذه السناريوهات هي:

 

زيوت السفينة الروسية: ففي يوم 11 إبريل الماضي غرقت سفينة الصيد السطحي الروسية "أولي دي دينوف" في المياه الإقليمية الأسبانية قبالة جزر الكناري.

 

وكانت السفينة الروسية تحمل على متنها كمية من الوقود تقدر بحوالي 1400 طن، وقد غرقت بعد تعرضها لحريق أثناء وجودها في ميناء لاس بلماس، وأدى الحريق لتسرب الوقود من حطامها في قاع البحر، وبعمق يصل إلى 2400 متر، في مكان يبعد حوالي 24 كلم عن جزيرة لاس بلمساس.

 

يوم 24 إبريل أعلنت وزارة الصيد والاقتصاد البحري في موريتاني أن المياه الإقليمية الموريتانية في مأمن من البقع الزيتية المتسربة من هذه السفينة، مؤكدة في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية أنها "تتابع الوضع عن كثب من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة إذا كان ثمة أي تهديد للشواطئ الوطنية"، مشيرة  في الوقت ذاته "إلى أنه يبدو أن حركة البقع الزيتية تتحرك إلى الجنوب الغربي من موقع الحادث".

 

وقد تم وضع السفينة ضمن الخيارات المحتمل أن تكون مصدر الزيوت التي غطت المياه الإقليمية الموريتانية، غير أنها صنفت كأضعف الخيارات بسبب وجود مياه أسبانية ومغربية في طريقها من مكان الحادث قبل الوصول إلى المياه الإقليمية الموريتانية.

 

سفينة دولية هاربة: الخيار الثاني هو خيار سفينة دولية قامت بتبديل زيوتها وإفراغها في المياه الموريتانية، كما أفرغت حاويات كانت تحملها لأن كمية الزيوت – حسب خبراء وزارة الصيد – أكثر بكثير من زيوت سفينة واحدة.

 

وقالت مصادر رسمية للأخبار إن السلطات عملت على تحديد نوعية الزيوت، وكذا السفن التي تستخدمها، كما قامت بجرد لكل السفن الكبيرة التي اجتازت المياه الإقليمية الموريتانية خلال الشهر الماضي بغية تحديد السفينة التي قد تكون وراء القضية، وقد دافعت مصالح وزارة البيئة عن هذه الخيار، مؤكدة أنه قد يكون الأرجح.

 

آثار الحفر في المياه الموريتانية: الخيار الثالث الذي وضعته الجهات الحكومية باعتباره قد يكون مصدرا للزيوت المنتشرة في المياه الموريتانية هو تسربها من آثار الحفل الذي كانت تقوم به شركات دولية في المياه الموريتانية بحثا عن الغاز والنفط، وبعد هذه الشركات غادرت البلاد منذ أشهر.

 

وعزز من هذا الخيار كون بدايات التلوث ظهرت في منطقة انجاكو قريبا من المناطق التي كانت تعرف التنقيب عن الغاز والنفط، ويأخذ هذا الخيار وجاهته مما وصفه بعد الخبراء المتابعين للملف بتعامل بعض الشركات العالمية مع شركات محلية أو إفريقية لتولي نظافة المنشآت، وشفط الزيوت الناتجة عن الأشغال، مشيرا إلى إمكانية عجز هذه الشركات عن أداء الأدوار المنوطة بها، أو احتيالها على شريكها الدولي.

 

كما عزز من وجاهة هذا الخيار التكتم الرسمي على الموضوع، والارتباك الذي يطبع التعاطي معه، خشية التشويش على الإعلان الذي تم قبل أسابيع عن مخزن هائل من الغاز في المياه الإقليمية الموريتانية.

 

وقود لا زيوت: الخيار الرابع والأخير أن المتسرب وقود لا زيوت، وهي خيار تدافع عن وزارة الصيد والاقتصاد البحري، معززة رأيها بأن الزيوت في العادة تطفوا على المياه عكس الوقود الذي يتجمع بشكل كثيف في المياه كما هو حال الموجود الآن في المياه الإقليمية.

 

وتحاول وزارة الصيد من خلال دعم هذا الخيار إبعاد المسؤولية الكاملة عن قطاعها بإدخال قطاعات أخرى من بينها قطاع الطاقة في المسؤولية عن الحادث الذي لم يتحدد بعد حجم انعكاساته على الثروة البحرية الموريتانية، وعلى الوسط البيئي عموما.

 

وفي ظل تردد السلطات بين هذه الخيارات يتزايد انتشار بقع الزيت في المياه الإقليمية الموريتانية، وتقتصر عمليات التنظيف الميكانيكية التي أعلن في مناطق قريبة من الشاطئ، وتحديدا المنطقة التي أعلن عن إغلاقها، والتي تتركز فيها الزيوت بشكل أكبر.

 

تحذير مبكر

وكان النائب البرلماني – والمهندس البحري – حمدي ولد إبراهيم قد حذر في مساءلة له لوزير الصيد والاقتصاد البحري نهاية العام 2014 من تلوث المياه الإقليمية الموريتانية بفعل الزيوت العادمة التي تقذفها فيه السفن بشكل دوري.

 

وقال ولد إبراهيم في مساءلته للوزير يوم 31 – 12 – 2014 إن حوالي 204 باخرة موجودة في المياه الإقليمية الموريتانية، وتفرغ كل شهرين حوالي 300 لترا من عوادم الزيوت، مشيرا إلى أن العدد الإجمالي للزيوت العادمة التي يتم تفريغها في المياه الإقليمية الموريتانية يتجاوز 367 ألف لتر سنويا.

 

وفد من "السلام الأخضر"

منظمة "السلام الأخضر" العالمية أوفت بعثة إلى انواكشوط للإطلاع على أوضاع ميدانيا في موريتانيا، وأوكلت المنظمة إلى بعثتها مهمة تشخيص الوضع، وتقديم صورة عنه لإدارة المنظمة لاتخاذ ما يلزم بناء على ذلك.

 

وتشتهر هذه المنظمة باهتماماتها البيئية في العالم، وسبق لنشاء في هذه المنظمة أن اعترضوا طريق سفينة أوربية عملاقة في المياه الإقليمية الموريتانية، وألصقوا عليها صورا لأوراق نقدية أوربية في إشارة إلى استخدام أموال دافعي الضرائب الأوربيين في تدمير البيئة البحرية للدول الفقيرة مثل موريتانيا.

 

كما سبق لها أن طالبت موريتانيا بإلغاء اتفاقيتها مع الشركة الصينية "بولي هوندون"، مؤكدة أن توقيع هذه الاتفاقية جاء في وقت وصل فيه مخزون الأسماك مستوى مقلقا.

 

تردد أوقع في تناقض

واتسم تعاطي السلطات الموريتانية مع أزمة تلوث مياهها الإقليمية بنوع من التردد تمثل في طبيعة التعاطي الإعلامي معها، بين إقدام وإحجام، وتخفيف وتهويل، وصل أحيانا درجة التناقض في المعطيات المقدمة لوسائل الإعلام وللرئيس والعام.

 

وتراوح الرؤية الرسمية بين التأكيد على تخفيف الآثار المترتبة على التلوث خوفا من التأثير على سوق الأسماك داخليا وخارجيا، وتفاديا لإثارة الهلع بين السكان، وإعدام المكانة التي بدأ السمك يكتسبها ضمن الاهتمامات الغذائية للعديد من الموريتانيين، وبين تهويل هذه الآثار رغبة في الحصول على مساعدات دولية تساهم في التغلب على آثارها.

 

وقد تسبب هذا التردد في تناقض المعطيات الرسمية المفرج عنها منذ بداية الأزمة إلى اليوم، حيث تصر معطيات وزارة الصيد على التخفيف من آثار التلوث، وتتحدث عن تحديد نوعياته، في حين يتحدث الوزير – ولوسائل الإعلام الرسمية – عن اجتماعات للجنة الكوارث، وعن تلوث كبير، وخسائر كثيرة.

 

 

 

الأحدث