جدول المحتويات
فككل ملفات المخدرات التي وضعت سابقا بين أيدي الأمن والقضاء الموريتاني وكانت وقائع متابعتها تنتهي بالعفو والإفراج عن المتهمين دون أي محاكمة، وكما تبدأ صاخبة ثم تنتهي بشكل عادي، فإن السؤال يطرح نفسه عن مستقبل الواقعة الجديدة ومصير المعتقلين المتهمين في الملف الجديد، وهل نتوقع طي الملف قريبا بإطلاق سراح المعتقلين دون محاكمة كما حصل في السابق؟!
وعرف ملف المخدرات خفوتا بموريتانيا في الفترة ما بين 1996 و2007 حيث عاد الملف إلى الواجهة مع طائرة نواذيبو فاتح مايو 2007 لتبدأ سلسلة ملفات وأحداث كبرى لا تزال تداعياتها متواصلة، واستخدمت في بعضها طائرات للتهريب.
خيوط تستنفر الأمن..
في التاسع من شهر ديسمبر 2015م توصلت وكالة الأخبار بنبأ إلقاء الأمن الموريتاني القبض على تاجر مخدرات فنزويلي وصف بأنه من بين أكبر تجار المخدرات عبر العالم وعلى علاقة بأبرز شبكات المخدرات في المنطقة، كما أن له صلة بملفات كبرى تتعلق بالاتجار بالمخدرت عبر الأراضي الموريتانية.
وحسب المعلومات التي توصلت بها صحيفة الأخبار إنفو، فإن الفنزويلي أدلى للمحققين الموريتانيين بمعطيات قادتهم إلى الحصول على معلومات تتعلق بموريتانيين ضالعين في محاولة تهريب شحنات مخدرات من كولومبيا عبر موريتانيا والسنغال، إضافة إلى معلومات أخرى عن شبكات في المنطقة.
وتضيف مصادر الأخبار إنفو، إن هذه المعلومات أفادت الأمن الموريتاني في متابعة شبكة تضم أعضاء من جنسيات مختلفة استطاعت إدخال 2 طن من المخدرات إلى الأراضي الموريتانية، حيث كانت تستعد لنقلها وتسويقها عبر متعاونين معها في المنطقة.
واستنفرت عملية المتابعة كافة الأجهزة الأمنية بموريتانيا التي رفعت أهبتها لمستويات عليا وعقدت اجتماعات مكثفة على مستوى قادة أمنيين رفيعي المستوى، إضافة إلى عقد اجتماع ضم الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلى جانب قائد أركان الجيوش ومدير الأمن الوطني وقائد الدرك وقائد الأمن الخارجي والتوثيق، وذلك مساء الأحد: 31 يناير 2016م، فيما نقلت مصادر لصحيفة الأخبار إنفو إن تطورات الملف الذي يتوقع أن يكون من بين الضالعين فيه شخصيات نافذة، هي السبب في إلغاء زيارة ولد عبد العزيز التي كانت مقررة إلى جمهورية مصر بدعوة من عبد الفتاح السيسي.
بارون المخدرات، نهاية صامتة
رجل الأعمال الحاج أحمد ولد إبرهيم المولود في 01/01/1976م بكيدال في الشمال المالي والمقيم بالدار البيضاء بالمملكة المغربية الذي اعتقله الدرك الموريتانية بعد مطاردته قرب الدويرة بالأراضي الموريتانية على الحدود مع المغرب، رفقة أشخاص آخرين من بينهم مدانون في الاتجار بالمخدرات مطلع مارس 2015م، أطلق سراحه بعد أشهر من الاحتجار دون محاكمة.
وتقول مصادر صحيفة الأخبار، إن ولد الحاج أحمد نفى للمحقيين الموريتانيين أي علاقة له بالاتجار بالمخدرات وأكد أنه زار موريتانيا تمهيدا لمشاريع استثمارية ينوي إقامتها في نواكشوط ونواذيبو، فيما استند الدرك الموريتاني إلى ما اعتبرها أدلة قوية ومتماسكة لتورط ولد إبراهيم ومجموعته في تجارة ونقل المخدرات وأحال الموقوفين إلى القضاء.
حيث بدأت الإجراءات بمثول المجموعة أمام النيابة العامة في نواذيبو، وفي يوم 10 مارس 2015م قابلت النيابة برئاسة القاضي أحمد ولد إسلم وكيل الجمهورية في الولاية الشمالية، قبل أن يحيلها إلى قاضي التحقيق بتمهمة التمالؤ في تهريب المخدرات والرشوة بالنسبة للحاج أحمد إبراهيم.
كما مثل المتهمون في اليوم نفسه أمام رئيس الغرفة الجنائية القاضي محمد ولد الشيخ قاضي التحقيق بالنيابة الذي أحالهم إلى الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيق.
غير أن ستة أشهر من الضغوط كانت كافية لإطلاق سراح الحاج أحمد ومرافقيه المتهمين: بلوح ولد أحمد العسكري السابق في البوليساريو والمدان سابقا بحيازة مخدرات والمغربي الضيفي نبيل العامل في شركة الفاسي إخوان القابضة التي يملكها الحاج أحمد بالدار البيضاء. فقد أفرج عن الثلاثة في 21 سبتمبر 2015 بأمر إفراج صادر عن القاضي الداه ولد سيدي يحيى رئيس غرفة الاتهام في محكمة الاستئناف بمدينة نواذيبو.
وهي القضية التي عصف ملفها برأس القضاء الواقف بموريتانيا حيث تمت إقالة المدعي العام لدى المحكمة العليا السابق القاضي محمد عبد الرحمن ولد عبدي وذلك بعد أقل من أربعة أشهر على توليه هذا المنصب، ثم تم إلقاء القبض على الحاج أحمد ولد إبراهيم من قبل جهاز أمن الدولة دون أن يحال مجددا إلى القضاء.
ورغم أن ولد إبراهيم ألقي عليه القبض منذ أشهر فإنه الآن ليس في عهدة أي قاض موريتاني بل لا معلومات تفيد عن مصيره وهل أفرج عنه خفية أم لا يزال جهاز أمن الدولة يحتجزه رغم تجاوز الآجال القانونية للحراسة النظرية.
طائرة بدون محاكمة
رغم الضجة التي تواكبه، قد ينتهي ملف المتهم سيدي محمد ولد هيدالة الراهن بتسوية ومصير مشابه لمصير حادثة طائرة نواذيبو التي ألقي القبض على 20 متهما بالضلوع في قضيتها إلا أن أيا منهم لم يحاكم ليفرج عنهم لاحقا دون متابعة.
ورغم أن لجنة التحقيق المشكلة لمتابعة الملف أوصت بإحالة بعض المسؤولين الإداريين والأمنيين إلى العدالة وطالبت بمعاقبتهم بتهمة بالتقصير، فإنه لم يحل أي منهم للعدالة ولم يتعرض أي منهم للعقاب، بل تمت ترقيتهم جميعا ودون استثناء، في وقت لاحق إلى مناصب ورتب إدارية وأمنية رفيعة.
ففي الثالث عشر من شهر نوفمبر 2014 أفرجت السلطات الموريتانية عن سيدي محمد ولد محمد خونا ولد هيدالة بعد أسابيع من تسلمه من المغرب حيث قضى هناك سبع سنوات من السجن بتهمة الاتجار بالمخدرات.
وبالإفراج حينها عن ولد هيدالة يكون آخر المشمولين في ملف طائرة نواذيبو المحملة بالمخدرات قد أصبح حرا طليقا، لتطوى صفحة أبرز ملفات تجارة المخدرات في موريتانيا دون جلسة محاكمة واحدة في أغرب تصرف تقوم به أجهزة تنفيذية أو قضائية ضد جماعة متهمة بالتهريب والمتاجرة بالكوكايين، فيما تحولت الطائرة التي استخدمت في العملية من طائرة لنقل المخدرات إلى طائرة عسكرية مخصصة لتنقلات كبار الشخصيات في الجيش والسلطة بموريتانيا، حيث أصبح الرئيس محمد ولد عبد العزيز يستخدمها أيضا في معظم رحلاته داخل موريتانيا.
وتعود بداية القصة إلى هبوط طائرة مجهولة الهوية وتحمل الرقم N 983 S محملة بالمخدرات وبشكل مفاجئ على الحافة الشمالية لمطار نواذيبو قبل أن تقلع مخلفة 21 كيسا من الورق المقوى (الكرتون) يحتوي كل واحد منها على مادة معبأة بشكل محكم داخل أوعية بلاستيكية سوداء اللون، وبجانب تلك الأكياس وعاءان بلاستيكيان مفتوحان يحوي أحدهما 20 علبة من علب القهوة تحمل عبارة CAFE MADRID، فيما يحوي الثاني 16 قميصا داخليا (T-Shirt)..
وقد اضطر ملاح الطائرة إلى الهبوط بها قرب نواذيبو بعد نفاد الوقود ثم غادر المكان رفقة أعضاء الشبكة التي تضم إلى جانب ولد هيدالة شخصيات من جسنيات أوروبية وأفريقية استطاع بعض منهم من بينهم ولد هيدالة الفرار مرورا بشمال موريتانيا والأراضي الصحراوية وأزواد ثم باماكو ومن ثم الحصول على جوازات سفر مالية ثم الوصول إلى الدار البيضاء وأكادير بالمغرب.
ملاذ المطلوبين
لم تكتف موريتانيا بالتساهل في متابعة ملف المخدرات بالجنوح إلى تسوية تؤدي إلى الإفراج عن المتهمين وعدم متابعتهم قضائيا، كما أنها لم تكتف بالسماح للمطلوبين لديها بالتجول أحرارا حتى داخل العاصمة نواكشوط، بل إنها أيضا سمحت أحيانا لبعض المطلوبين للانتربول بأن يتخذوا من البلاد ملاذا آمنا لهم.
ففي العاصمة نواكشوط وخلال العام 2013 كان متهمان رئيسيان بالضلوع في تهريب طائرة محملة بالمخدرات وخاضعة لتعديلات مكنت من شحنها بالكامل بالمخدرات من أمريكا الجنوبية إلى الشمال، هما الشريف الطاهر ومحمد ولد أحمد ديه الملقب الروجي يتجولان بحرية تامة، كما التقى أحدهما وهو الشريف الطاهر الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز ضمن وفود من أزواد بنواكشوط في مساع لعقد وساطات في الشمال المالي حيث نشرت تفاصيلَ اللقاء صحيفةُ الأخبار في عدد صادر قبل سنوات وتحديدا منتصف مايو 2013م.
هذا على الرغم من أن الروجي مطلوب للعدالة الموريتانية وأحد المدانين سابقا في قضية المخدرات بموريتانيا، أما الشريف الطاهر فكان مطلوبا للأنتربول بموجب مذكرة توقيف صادرة عن الحكومة المالية في باماكو.
وتعود قصة الطائرة المذكورة إلى عام 2009 حيث استطاعت شبكة تهريب مخدرات إيصال الطائرة المحملة بمادة الكوكايين إلى مدرج بني خصيصا لهبوطها قرب كيدال، ومن ثم توزيع الشحنة عبر سيارات رباعية الدفع على مسوقين وعملاء للشبكة في المنطقة.
أما ملكية الطائرة التي تم حرقها مباشرة بعد انتهاء مهمتها الأخيرة، فتعود للخطوط الجوية في إحدى الدول بالمنطقة، وكان يجري البحث عنها دوليا.
أوامر الاعتقال وقرارات العفو
كل عمليات اعتقال المتهمين في ملفات المخدرات في موريتانيا، كانت تتم بأوامر عليا تصدر للأجهزة الأمنية تتضمن تحديد أماكن المطلوبين لمداهتمهم في المنازل أو مطاردتهم حيث يوجدون. هذا دون أن يكون لدى أفراد جهاز مكافحة المخدرات أي معلومات سابقة عن هؤلاء المتهمين.
غير أن الوقائع التي كانت تبدأ بأوامر للقبض على المتهمين، تصل في مراحلها المتقدمة إلى أوامر بالإفراج عنهم أو العفو عنهم.
ومن بين حالات العفو ما انتهى إليه الملف المعروف بقضية المزرب التي اعتقل فيها 21 شخصا، وجهت إليهم تهم: المشاركة في تجمع منشأ بهدف القيام بأعمال إرهابية، والمساس المتعمد بحياة الأشخاص وسلامتهم واختطافهم واحتجازهم، وتقديم إعانات ووسائل أخرى لمرتكب عمل إرهابي، وتهريب ونقل المخدرات ذات الخطر البالغ.
حيث أفرج عن جميع المتهمين في الملف ضمن صفقة مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي تم بموجبها الإفراج عن الرهائن الإسبان الثلاثة المختطفين على طريق نواكشوط ـ نواذيبو.
وكان من بين حوادث الإفراج عن المتهمين في ملفات المخدرات بموريتانيا أيضا، تخفيف الحكم في 2011م على كل من ضابط الشرطة سيد أحمد ولد الطائع ممثل الشرطة الدولية "الأنتربول" في موريتانيا سابقا، والذي كان محكوما بالسجن النافذ سبع سنوات، إضافة لتخفيف عقوبة خمسة سجناء آخرين، من بينهم ميني ولد السوداني، والمواطن الفرنسي أميكان آريك والتر والذي قلصت فترة سجنه من 15 سنة إلى 10 سنوات، وثلاثة سجناء آخرين، كانوا مسجونين بتهم بينها المخدرات وتزوير المحررات وغير ذلك.
وكما كان الإفراج عن سيدي محمد ولد هيدالة في نوفمبر 2014م مفاجئا، كان القبض عليه يوم السبت 30 يناير المنصرم مفاجئا أيضا، خصوصا أنه عاد قبل فترة وجيزة من الجزائر حيث كان يتابع علاجاته؛ ليكون رجل المفاجآت من بين الأشخاض الذين تكررت أسماؤهم ضمن أبرز ملفات الاتجار بالمخدرات في المنطقة.
ويلاحظ أن السلطات الحاكمة في موريتانيا التي تدرك أن البلاد محطة عبور لتجارة المخدرات بالدرجة الأولى وليست بلد استهلاك، ظلت تنتهج سياسة مضايقة تجارة المخدرات في الفترات التي تشهد البلاد أزمات مالية، فيما يطبع الفترات الأخرى التساهل الكبير.