جدول المحتويات
عرف قطاع التعليم أسماء متعددة، وتعاقب عليه وزراء كثر، وتعددت وتنوعت إصلاحاته؛ بدءا بـ 1959، ومرورا بـ 1979 و1999، وانتهاء بالقانون التوجيهي في الفترة الأخيرة أيام الوزير ولد أييه، ومع ذلك لا يزال جرح التعليم ينزف ومشاكله لا تزال تتأبى وتتعالى على كل إصلاح؛ ما المشكلة إذن؟
إن الإصلاح من خلال من وضع الخطط وسن القوانين قد يكون مهما إذا سلم من الأخطاء والملاحظات وكان مناسبا للمنظومة التعليمية، وهذا ما لم يحدث بطبيعة الحال، ولكنه (أي الإصلاح بسن القوانين) – ولو توفرت له تلك الشروط – ليس كافيا ما لم يكن هناك كادر بشري مؤهل وجاهز ولديه إرادة مصممة وقدرة ماضية للقيام بما يلزم في سبيل الإصلاح مهما كانت التكاليف والعراقيل.
إن كل الإصلاحات التي عرفها التعليم في بلادنا ينقصها التخطيط السليم، والوعي الاستراتيجي، والبوصلة الصحيحة؛ بمعنى أنها كانت إصلاحات تائهة متذبذبة تقر إصلاحا ثم تتبين فساده؛ لتعود وتصححه بالنقيض؛ لنأخذ – مثلا – إصلاح 73 الذي فرض التعريب – وهو أمر مهم – ولكن جهازنا التربوي الفاقد للبوصلة جاء سنة 1979 باقتراح جديد يقوم على نظام الشعبتين إحداهما عربية والأخرى فرنسية؛ مما كرس التفكك بين أبناء الشعب الواحد وضرب الوحدة الوطنية في الصميم؛ حيث كان أبناء البيظان يذهبون إلى الشعبة العربية وأبناء الزنوج يذهبون إلى الشعبة الفرنسية فنشأ جيلان غير مندمجين في بعضهما، بعد ذلك، وفي سنة 1999 طلع علينا جهازنا التربوي العبقري دائما بإصلاح آخر عرف بإصلاح 99 قلب الطاولة على ما سبقه من إصلاحات من خلال اقتراح فرنسة المواد العلمية واعتماد منهجية مقاربة الكفايات.
وحين أقول جهازنا التربوي أقصد الجهة التنفيذية الوصية على التعليم، فتلك هي – وحدها – المسؤولة عن الأخطاء الكثيرة والمتكررة في هذه الإصلاحات التي وصلت إلى حد الآن إلى ست، وكانت جميعا وراءها رؤى سياسية إن لم أقل مآرب مالية.
إن أي إصلاح لكي يكون ناجحا لا بد أن يكون منطلقا من دراسة عميقة ومتأنية لواقعنا التعليمي تشخصه وتبين طبيعته ونواقصه واختلالاته، وذلك – وحده – هو ما يمكّن من رصد حلول ناجعة وبناء استراتيجية شاملة تصمد مع الزمن وتضمن مخرجات إيجابية نرضى عنها جميعا، أما غير ذلك فمجرد استهلاك محلي وإهدار للمال العام.
إن مما لا تمكن استساغته التذبذب في اعتماد المناهج التربوية من مقاربة الكفايات – نتحدث عن الفترات الأخيرة – إلى المقاربة بالأهداف إلى المقاربة الشمولية؛ إنه ارتجال في ارتجال مبعثه اللهاث وراء التمويل وليس الحاجة التربوية بطبيعة الحال، إن المناهج التعليمية من الأشياء ذات الأثر البعدي، وبالتالي لا يمكن الحكم عليها إيجابا أو سلبا بشكل دقيق إلا بعد تخريج جيل على الأقل.
إن التخلي عن مقاربة أنفق عليها الكثير من المال من خلال طباعة الكتب والتكوين وغير ذلك دون التحقق من عدم نجاعتها فيه كثير من إهدار المال العام بلا طائل، وفيه هلهلة للقطاع وتشويش عليه، ومن ثم التأثير سلبا على مخرجاته.
إن مشكلة التعليم كغيره من القطاعات في بلادنا ترجع بالأساس إلى الحكامة غير الرشيدة وغير الكفأة؛ فهي تصنع مشاكل أكثر مما تنتج حلولا.
إن مشكلات التعليم متفاقمة تتجرع مرارتها الأجيال بعد الأجيال من خلال تدني المستويات وانخفاض نسب الاستبقاء، وقبل ذلك وبعده وأثناءه مكابدة هذا التعليم في بيئة تعليمية جد طاردة، فالبنية التحتية منهارة ومتهالكة في معظم المدارس، والحجرات الدراسية غير كافية، والطاقم التربوي دون الحاجة، والاكتظاظ هو سيد الموقف دائما.
إن من يريد أن يرفع من مستوى التعليم عليه أولا أن يحسن من ظروف العاملين فيه سواء كانوا مدرسين أو هيئة تأطير، فلابد – إذا كنتم جادين حقا في إصلاح التعليم – من زيادة معتبرة في رواتب المدرسين والمؤطرين؛ لأن رجل التعليم الذي يفكر في قوت يومه غير قادر على العطاء التربوي الجيد القادر على الرفع من مخرجات التعليم.
إذا كنتم جادين حقا في إصلاح التعليم كونوا شفافين في الاكتتابات، وكونوا شفافين في الترقيات وابتعدوا عن الزبونية والمحسوبية التي دأبتم عليها منذ عشرات السنين، وغيروا أنفسكم من الداخل ليغير الله بأيديكم من الخارج، وإلا فاعلموا وليعلم من فوقكم أن سنة الله نافذة، وأن الله قد قال من فوق سبع طباق: {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} (سورة: محمد، الآية: 38).
إن إصلاح التعليم لا يمكن أن يتحقق في ظل إدارة فاسدة كهذه الوزارة الغارقة في الفساد حتى أذنيها؛ كل ملفات هذه الوزارة من وإلى فيها شبه فساد، وما حدث أخيرا من استدعاء لبعض مسؤولي الوزارة من طرف شرطة الجرائم الاقتصادية وحتى إقالة بعض المديرين في مجلس الوزراء الأخير ما هو إلا خربشة طفيفة في عالم قذر لا يعرف للمال العام حرمة ولا يسلك للتسيير النزيه سبيلا.
إن هذه الوزارة التي تسمى وزارة التربية وإصلاح النظام التعليمي غير قادرة على إصلاح التعليم؛ لأنها هي نفسها غير صالحة وبالتالي لا تملك الإصلاح، وفاقد الشيء لا يعطيه!
إن هذه الوزارة التي تسمى وزارة التربية وإصلاح النظام التعليمي مبنية على شفا جرف هار سينهار بها في الهاوية إذا لم يكن قد فعل ذلك فعلا، وما أقصده – هنا – هو لوبي الفساد المتحكم فيها، والذي يتلاعب بكل وزير أو وزيرة يمر أو تمر بها.
إن هذه الوزارة التي تسمى وزارة التربية وإصلاح النظام التعليمي قائمة على الظلم والجور والمحسوبية والتلاعب بمصائر الناس ومصالحهم، وقد اكتويت أنا شخصيا بنار ذلك ولكنني لا أريد أن أتحدث عن تجربة شخصية.
إذا كان لديكم بقية رمق من ضمير وتريدون أن تحققوا شيئا للتعليم اشتغلوا على ما يلي:
– اكتتاب أعداد كافية من المدرسين بشكل شفاف،
– بناء مزيد من المدارس وترميم ما يحتاج إلى ذلك،
– خلق علاوات خاصة لا يستفيد منها إلا العاملون في الميدان من مدرسين ومؤطرين،
– اعتماد معايير شفافة في الترقيات والتعيينات
 
             
             
             
         
       
           
           
                 
     
     
     
     
     
     
    