تخطى الى المحتوى

الحكامة والهشاشة المجتمعية

جدول المحتويات

حذار فتحت الرماد اللهيب *** ومن يزرع الشوك يجني الجراح

أبو القاسم الشابي

 

إذا كانت الحكامة تعني – فيما تعنيه – تسيير شؤون الدولة، وإدارة دفتي الحكم، وممارسة السلطة بشكل جيد؛ سبيلا إلى تقديم ما ينفع الناس ويمكث في الأرض؛ فإن الحكامة في بلادنا تعاني من مشاكل مزمنة تنذر بتفجر الأوضاع وفلتان الأمن مما سنحاول الإشارة إلى بعضه في الآتي بشكل موجز:

1. الفساد المستشري الذي أتى على الأخضر واليابس، وسيدق في المستقبل القريب – إذا ما استمرت الأمور على ما هي عليه الآن – آخر مسمار في نعش ما كان يسمى ذات يوم الجمهورية الإسلامية الموريتانية،

 

2. التفاوت الطبقي وعدم المساواة؛ بسبب غياب التوزيع العادل للثروات، وعدم تكافؤ الفرص أمام المواطنين،

 

3. عدم سيادة القانون وتجنب معاقبة الظلمة والأقوياء بله مساءلتهم عن انتهاكاتهم للقانون وأخطائهم الكثيرة،

 

4. ضعف المؤسسات وعدم قدرتها على أداء وظائفها؛ سواء تعلق الأمر بالمؤسسات التنفيذية أو القضائية أو البرلمانية،

 

5.  تهميش فئات واسعة من المجتمع أغلبها من النساء والشباب؛ الشيء الذي يؤثر على المشاركة الشعبية في الشأن العام، ويؤدي من ثم إلى شبه شلل اجتماعي يعيق الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية،

 

 ولا شك أن حكامة بهذه المثابة من الضعف وعم الكفاءة ستكون وبالا على المجتمع؛ خاصة وأن هذا المجتمع يعاني من هشاشة مرعبة؛ فالفقر يكتسح أكثر من ربعه، والفقراء – وخاصة في الداخل – يزدادون فقرا والأغنياء على قلتهم يزدون غنى، وهذا ما يعني حالة من التفاوت الرهيب داخل المجتمع؛ حيث كثرة كاثرة منه تعيش تحت خط الفقر، وطغمة لا تتجاوز عشرة في المائة من الأغنياء تحوز أربعين في المائة من ثروات البلد.

 

إن الوضع كارثي وينذر بالانفجار في أي وقت، وعلى الذين يتولون الأمور أن ينتبهوا له ويجعلوا حدا للكارثة قبل فوات الأوان، إن الحلول الترقيعية لا تجدي شيئا، وتوزيع الهبات الضئيلة التي تجود بها نفس البخيل هنا وهناك لا أهمية لها، إن الأمر يحتاج إلى حل جذري وجريء يقوم على فلسفة اشتراكية تتأسس على العدل والمساواة؛ فلسفة اشتراكية نابعة من التصور الإسلامي، ومن آية الحشر التي تقول: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم…} (سورة الحشر الآية: 7)، ومن ممارسة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في تصرفه مع الصحابي بلال بن الحارث الذي كان قد اقتطع له رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضا واسعة فاحتكرها ولم يحيها فقال له عمر بعد أن وصل إليه الحكم خذ ما استطعت إعماره من هذه الأرض وما بقي تنازل عنه للمسلمين فتلكلأ الرجل أولا ولكن الفاروق أرغمه على هذه الخطة الاشتراكية العادلة.

 

إن تفاوت الحظوظ مسألة طبيعية ولكن تراكم الحيف والظلم الاجتماعي والبطالة والغياب التام للعدالة الاجتماعية كل هذا يولد وضعية غير طبيعية وحالة من الاحتقان بمثابة بركان قد يتفجر في أية لحظة، إن موريتانيا تنعم بموقع استراتيجي مهم ولها ثروات طبيعية كثيرة مع عدد سكان قليل، ومع ذلك نجد حالات من الفقر المدقع يندى لها الجبين، ونجد المتسولين يملؤون الشوارع وتعج بهم ملتقيات الطرق؛ إنها – ببساطة – أزمة تسييرية لمن تطبلون احتفالا بذكرى التنصيب!

 

ومما يعمق الهشاشة المجتمعية في بلادنا التمييز الاجتماعي غير الإيجابي – بطبيعة الحال – الذي يمارس ضد فئات وشرائح من هذا المجتمع الذي يستحق كل خير؛ فيحجم مشاركتها السياسية ويمنعها من فرص كثيرة متاحة لغيرها.

 

ومن مظاهر الهشاشة هذه قضية العبودية، فهي وإن كان قد تم القضاء عليها بالتشريعات القانونية إلا أن آثارها لا تزال واقعا معيشا في جهات عديدة من هذا الوطن الحبيب؛ حيث الأمية والفقر وانسداد آفاق الحياة…

 

ومما يعانيه مواطنونا ويجسد مظهرا من مظاهر الهشاشة المجتمعية ضعف الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وماء وكهرباء…

اسمحوا لي – يا سادتي – فالبوح مؤلم وقاس.. إن بلادنا باختصار صندوق مآس كبير، ومنذ 1978 م وهي تعاني من دوامة الأحكام العسكرية التي ما قدمت إلا الخراب والدمار والفساد والإفساد؛ عن أي شيء تتحدثون؟ عن الحوار؟ حوار من؟ مع من؟ ولأجل ماذا؟ إن الدولة وصلت إلى أفق مسدود فالانتخابات لا معنى لها؛ لأنها مزورة ونتائجها معروفة سلفا، والحوار غير مجد؛ لأنه حوار الدولة مع ذاتها أو مع من تشتريه بالمال أو تغريه بالوعود الزائفة.

 

اسمحوا لي مرة أخرى؛ فكلما فكرت بكتابة مقال تذكرت قول المتنبي:

 

ألا ليت شعري هل أقول قصيدة *** فلا أشتكي فيها ولا أتعتب؟! 

 

الأحدث