جدول المحتويات
وقالت المصادر رفيعة المستوى لـ"الأخبار" إن النظام الموريتاني يرى أن ينطلق الحوار السياسي من طاولة ممسوحة، وأن يتم وضع كل النقاط التي تقترحها أطراف المشهد السياسي، ويتم نقاشها واحدة واحدة، لتصنف بعد ذلك إلى نقاط تم الاتفاق عليها، وأخرى بقيت عالقة، مردفا أنها ستكون قليلة ومحدودة، وبعد نهاية هذه المرحلة يبدأ النقاش من جديد حول النقاط الخلافية، مع التشاور حول آلية موضوعية لحسم الخلاف حولها.
وتحدث المصدر المقرب من دوائر الحكم في البلاد أن وجهات نظر الأطراف السياسية في موريتانيا شبه متطابقة حول العديد من النقاط كآليات تنظيم الانتخابات، وحياد الإدارة، مستدركا بأن ذلك لا يعني الوصول إلى مرحلة الحكومة التوافقية، أو حكومة الوحدة الوطنية، مردفا أن تطابق وجهات النظر في العديد من النقاط سيمكن المتحاورين من تجاوز بعد الحواجز النفسية المتراكمة خلال السنوات الماضية من استشراء الخلاف بين أطراف المشهد السياسي الموريتاني.
ويمتلك الحوار السياسي في موريتانيا – والذي كثر الحديث عنه خلال الأيام الأخيرة عدة فرص للنجاح، فيما تقف في وجهه عقبات كؤودة، قد تؤدي إحداها – أو كلها – إلى إعلان فشله، كما حصل في تجارب سابقة، خصوصا تجربة حوار 2013، وتسعى الأخبار في هذا الملف لرصد أبرز فرص نجاح الحوار السياسي، مع التوقف عند العقبات التي توقف في وجهه.
ويشير المصدر إلى اتجاه رسمي لتشكيل لجنة موسعة تمثل السلطة التنفيذية إضافة للأغلبية الرئاسية، وستمنح هذه اللجنة الموسعة صلاحيات واسعة في تعاطيها مع المتحاورين الممثلين للأطراف المعارضة في البلاد، بغية التوصل إلى توافق سياسي ينهي الخلاف الممتد من عدة سنوات.
فرص النجاح
رغبة كل الأطراف فيه
ولعل من أبرز فرص نجاح الحوار السياسي الذي يجري الحديث عنه، هو الرغبة المعلنة لدى مختلف الأطراف، والتي عبرت عنها كل الأطراف في العديد من المناسبات، حيث كررها الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في خطابه بمناسبة الاستقلال، وفي خرجتين إعلاميتين له بعد ذلك، أما قادة المعارضة فيتحدثون باستمرار عن ضرورة الحوار، وعن موقفهم المبدئي المرحب به، وقد سجل تقدم بعضهم بمبادرات سياسية لانطلاقة حوار جديد.
عدم التسرع في دخوله
أما الخطوة الثانية من فرص نجاح الحوار الجديد، فهي عدم تسرع الأطراف السياسية للدخول قبل المرور ببمهداته، وإنهاء كل التحضيرات اللازمة له قبل الدخول فيها بشكل مباشر، إضافة لإبداء الطرف الحكومي منح الحوار ما يتطلبه من وقت لإنضاج نقاشاته.
وقد تبادلت الأطراف السياسية في البلاد رسائل يوضح فيها كل طرف رؤيته للحوار، وللنقاط التي يجب أن تتصدر مواضيعه، وللآليات التي يجب أن تطبق فيه، فضلا عن الممهدات التي تسبقه.
انعدام ضاغط خارجي
أدى ضغط الانتخابات النيابية والتشريعية – ولاحقا الرئاسية – إلى فشل تجارب الحوار التي نظمت سابقا، حيث كانت انطلاقتها تبدأ قبيل الانتخابات بفترة وجيزة، وينصب الجهد الأكبر في الحديث عن توقيت هذه الانتخابات، وما إذا كانت ستؤجل لمنح فرصة للحوار أم لا، ورغم أن الحوار الجديد يأتي قبيل الانتخابات الجزئية لتجديد مجلس الشيوخ، إلا محدودية الهيئة الناخبة لهذه الانتخابات، إضافة لعدم شمولها للبلاد ككل، يخفف من الظرف الضاغط الذي كان موجودا في تجارب الحوار السابقة إن لم يقضي عليه بشكل كامل.
شمولية مواضيعه
ومن فرص نجاح حوار جديد بين الأطراف السياسية في البلاد، استعداد أطرافه الرئيسية لنقاش كل الملفات العالقة، وتقارب وجهة النظر بين النظام والمعارضة في العديد من النقاط المطروحة للنقاش، مع يجعل العائق الأكبر أمام المضي فيها هو البحث عن ضمانات حقيقية تكسب نتائج الحوار ثقة، وتضمن إنفاذها، وتطبيقها على أرض الواقع.
وقع استمرار الأزمة السياسية
ومن الفرص التي يمكن أن تشكل داعما لنجاح الحوار السياسي اتفاق كل الأطراف على ضرورة الخروج من الوضع السياسي الذي توجد فيها البلاد، وتجاوز الانقسام الذي دخلته بعد انقلاب 2008.
وتعكس المبادرات المتعددة والدعوات المتكررة للحوار من الطرفين، رغبة كل الأطراف لتجاوز هذه المرحلة، لكن تباعد الشقة بين أطرافها خلال الأعوام الماضية عزز من الحواجز النفسية والسياسية بين الطرفين.
مخاطر الفشل
وإذا كان للحوار السياسي في موريتانيا فرص نجاح متعددة يمكن أن تفتح طريق التوافق واسعا أمام الأطراف السياسية المكونة للمشهد الموريتاني، فإن هناك معوقات كثيرة، وعقبات محدقة، قد تمنع هذا الحوار من الصعود إلى السكة أو أصلا، أو تخرجه منها في مرحلة من مراحله المتعددة.
ومن أبرز هذه العقبات:
هشاشة الثقة بين الأطراف السياسية
فقد تعرض الثقة بين الأطراف السياسية في البلاد لضربات عديدة، بدءا من الموقف من اتفاق الأطراف السياسية في داكار، واتهام أحزاب المعارضة المشاركة فيه للنظام بالتملص من كل الالتزامات التي لا تخدم أجندته فيه، وليس انتهاء بنتائج حوار 2011، بين الأغلبية وبعض أحزاب المعارضة المنضوية في "المعاهدة من أجل التناوب السلمي"، والتي تحدث بعض قياديها عن تخلي النظام عن العديد من خلاصات الحوار، وعدم تطبيقها.
وقد ظهر اضطراب هذه الثقة في التجارب الحوارية التي تلت ذلك، واستطراد قادة المعارضة لتجربهم في حوار داكار، وفي الطريقة التي تم التعامل بها معه بعد نهاية الانتخابات، حيث كانت بنود عديدة منه تتعلق بمرحلة ما بعد الانتخابات.
ويزيد من قوة هذه العقبة أن التجربة الأولى كانت للمعارضة بكل أطيافها، فيما جربت بعد أحزابها لاحقا، وخرج العديد من المشاركين فيها بنتيجة مشابهة، جسدها تقدم أبرز قادة أحزابها بمبادرة سياسية جديدة بمجرد انتهاء الحوار.
كما أن جل الأحزاب السياسية في المعارضة جربت في مرحلة من مراحلها السياسية التقارب مع النظام بشكل أو بآخر، بدءا بحزب تكتل القوى الديمقراطية وحزب الاتحاد والتغيير الموريتاني "حاتم" في مرحلة ما بعد انقلاب 2008، مرورا بحزب التجمع الوطني للإصلاح والتمنية "تواصل" في مرحلة ما بعد انتخابات 2009، والتي وصف نفسه فيها بالمعارضة الناصحة، وليس انتهاء بتقارب حزب التحالف الشعبي التقدمي معهم ابتداء من العام 2011، وحتى الانتخابات التشريعية والبلدية الأخيرة، لكن تقارب كل هذه الأطراف مع النظام لا يلبث أن يتحول إلى تنافر وخلاف سياسي يزداد مع الأيام.
سقف التوقعات
فلكل طرف سياسي – وبالأخص النظام ومنتدى المعارضة – تحليله لواقع الطرف الآخر، وترتيب سقف مطالب يريد الحصول عليه من أي حوار سياسي يمكن أي يتم إجراؤه. حيث يرى النظام أن المعارضة في حالة ضعف شديد وتشظ – إن لم تكن في حالة موت سريري – وهي بالنسبة له فرصة لمقايضته إعادة الحياة إليها باستخلاص مأمورية ثالثة لولد عبد العزيز، تمنح المعارضة مقابلها ما شاءت من مطالب في حدود آليات الانتخابات، وإدارات المؤسسات المرتبطة بها، أو رفع الحظر الاقتصادي عن بعض المنتمين إليها، دون أن يصل الأمر درجة دخول الحكومة.
كما أن هذا الحوار سيضمن له إكمال مأموريته الحالية في جو هادئ، ويظهر نظامه بصورة مختلفة أمام مختلف الأطراف الدولية والإقليمية.
أما المعارضة فترى أن النظام يواجه تراجعا لشعبيته في الداخل، بعود بعضه للصراع المبكر بين الأطراف الداعمة على إرثه، وكسب نقاط قوة قبل اقتراب نهاية المأمورية الثانية، كما ترى أنه يواجه عزلة دولية، وأنها فرصتها لانتزاع الحكم منه بتقليم أظافره من أماكن التأثير، ووضع حد لما تصفه بالحكم العسكري عن طريق التوافقات (إبعاد العسكر عن ممارسة السياسية) بعد أن لم توفق فيه عن طريق الانتخابات.
وبين التحليلين، وبحث كل طرف عن تحقيق فرصه، قد يضيع الحوار، وتتكرر تجربة فشله كما وقع في تجارب سابقة.
عقبة تعديل الدستور
أما ثالث العقبات فهي تغيير حاجة التوافق السياسي الشامل إلى تغييرات دستورية، لعدد من المواد بعضها محصن في الدستور ذاته، كما أن القسم الرئاسي ألزم الرئيس بالتزامات عديدة من بنيها ألا يتخذ أو يدعم "بصورة مباشرة أو غير مباشرة أية مبادرة من شأنها أن تؤدي إلى مراجعة الأحكام الدستورية المتعلقة بمدة مأمورية رئيس الجمهورية وشروط تجديدها الواردة في المادتين 26 و28 من هذا الدستور".
كما نصت المادة: 99 من الدستور على أنه: "لا يجوز الشروع في أي إجراء يرمى إلى مراجعة الدستور، إذا كان يطعن في كيان الدولة أو ينال من حوزة أراضيها أو من الصبغة الجمهورية للمؤسسات أو من الطابع التعددي للديمقراطية الموريتانية أو من مبدأ التناوب الديمقراطي على السلطة والمبدأ الملازم له الذي يحدد مدة ولاية رئيس الجمهورية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وذلك طبقا لما تنص عليه المادتان 26 و28 المذكورتان سالفا".
والمادتان اللتان تحيل لهما المادة: 99 من الدستور، هما المادة: 26، والتي تحدد مدة المأمورية الرئاسية، وتفاصيل أشواط الانتخابات، كما تحدد السن القصوى لمن يحق له دخول السباق الرئاسي في الـ75 سنة، ويقول نص المادة: "نتخب رئيس الجمهورية لمدة خمس (5) سنوات عن طريق الاقتراع العام المباشر. يتم انتخابه بالأغلبية المطلقة للأصوات المعبر عنها، وإذا لم يحصل أحد المترشحين على هذه الأغلبية في الشوط الأول، ينظم شوط ثان بعد أسبوعين. لا يترشح لهذا الشوط الثاني إلا المترشحان الباقيان في المنافسة والحاصلان على أكبر عدد من الأصوات في الشوط الأول"، وتضيف "كل مواطن مولود موريتانيا يتمتع بحقوقه المدنية والسياسية ولا يقل عمره عن 40 سنة ولا يزيد عن 75 سنة بتاريخ الشوط الأول من الانتخابات، مؤهل لأن ينتخب رئيسا للجمهورية".
أما المادة: 28 التي حصنتها المادة: 99 فتنص على أنه "يمكن إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمرة واحدة".
وقد جرى الحديث كثيرا خلال الأيام الماضية عن تعديل دستوري يغير المادة: 28 ليتيح للرئيس الحالي الترشح لمأمورية جديدة، كما يلغي السن القصوى للترشح، وهو ما سيسمح لقادة أحزاب معارضة وزعماء سياسيين بدخول السباق الرئاسي.
وسعي بعض الأطراف السياسية لتعديل هذه المواد سيكون محل خلاف حقيقي داخل أروقة الحوار – إن كتبت له الانطلاقة – وقد يؤدي إلى إفشال الحوار بشكل كلي.
معارضة الحوار داخل الطرفين
فداخل كل معسكر سياسي توجد أطراف تقف ضد الحوار السياسي وتسعى للمحافظة على تأزيم الوضع – وإن بحسن نية – حيث توجه أصابع الاتهام إلى أطراف فاعلة في حزب قيادة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم للدفع باتجاه إفشال الحوار ووضع العصي في دواليبه حتى لا ينطلق أصلا.
وتتحدث هذه الأطراف – التي تتهم بأنها لها تجارب في إفشال حوارات سابقة – عن عدم جدوائية الحوار مع المعارضة الحالية أصلا، مبررة موقفها بأن الأمر يعود إلى مشاكل بنيوية داخل هذه المعارضة، وفي عقول قادتها أفقدتهم شجاعة القبول بالحوار، أو الاعتراف الصريح برفضه. ينضاف لهذه الأطراف السياسية ما يصفه متابعون بأجهزة التأزيم في الدولة العميقة، والتي ترى في أي تقارب مع المعارضة خطرا عليها، كما أنها تصور أي تنازل يقدم من النظام في إطار حوار سياسي على أن انتقاص من هيبة الدولة، وضربة في مصداقيتها وقوتها أمام معارضيها.
أما على الجبهة المعارضة فقد أصدرت بعض أطرافها حكمها النهائي على الحوار حتى قبل انطلاقته، واستخدمت تجارب الحوار السابقة لإعادة التذكير بها، وطلب القياس عليها، حيث استغلها النظام لصالحه، ولم تحقق المعارضة من ورائها أي مكسب يذكر.
تشتت الموقف المعارض
أما العقبة الأخيرة في وجه الحوار السياسي فهو تشتت مواقف المعارضة الموريتانية، ومعسكريها الكبيرين، وتباين مواقفهما في قضايا جوهرية من أبرزها الموقف من تعديل الدستور، واختلاف الأهداف التي يعمل لأجلها كل طرف داخل هذه المعارضات المتعددة.
فبعض أطراف المعارضة كانت وراء اقتراح التعديل الدستوري، فيما كان موقف الطرف الآخر من هذا المقترح حديا، خصوصا وأنه يعتبر أن هناك مكاسب تحقق للشعب الموريتاني يلزم الحفاظ عليها، ومن بينها النص على مأمورتين للرئيس في الدستور، وهو أتاح الموقف من تعديل الدستور للنظام أن يقف موقفا وسطا بين طرفي المعارضة الرئيسيين.
وفضلا عن التباين بين مواقف قطبي المعارضة، وتتباين الرؤى والمواقف من الحوار داخل الكتلة السياسية الواحدة، حيث يتصدر حزب تكتل القوى الديمقراطية – وهو من الأحزاب الفاعلة داخل منتدى الديمقراطية ولديه رئاسته الدورية – المواقف الرافضة للحوار في شكلها الحالي، ويعتبر عدد من قادة الحزب أن الحوار في هذه الظرفية ووفقا للشروط المعلنة حتى الآن لم يشكل أكثر من غطاء لمنح ولد عبد العزيز مأمورية ثالثة.
وبين الفرص والعقيات ستسير عربة الحوار السياسي في موريتانيا، بقيادة ربابنة كثر، وبالتأكيد أن وصلها لن يكون مضمونا في حال كان لكل طرف وجهة خاصة به، يريد جر الآخرين إليها رغما عنهم، أو الوصول إليها وحدها في حال رفض الآخرون مسايرته.
 
             
             
             
         
       
           
           
                 
     
     
     
     
     
     
     
    