تخطى الى المحتوى

الحِلَق المفقودة في تفكيرنا السياسي

جدول المحتويات

المشارقة وجهد المقل

التقارب التركي المصري بإطلاق المناورات البحرية مصلحي وليس مبدئيا، ولو كان مبدئيا لانبنى على رؤية مشتركة تصاغ قبل أي إجراء عملي، ولا أظن بأن مستوى الوعي السياسي والحضاري الحاليين لدى الطرفين سينحوان بهما نحو المطلوب، والمطلوب أكثر من هذا بكثير.

 

“صح النوم” بالنسبة إلى النظام المصري، النظام متخلف فكريا جدا عن فهم حقيقة الكيان الصهيوني، ولا يزال ممثل الصحافة الرسمية المصرية يلعب في ملعب صنعه الاحتلال بالقرب من بلده ويصرح بأنه يريد أراض من المحروسة، في وقت لا يزال أحرار الكنانة الذين فقهوا التعامل مع هذا العدو في غياهب السجون المصرية.

 

الرد السلبي على القصف الصهيوني للعاصمة القطرية من خلال الإدانات والشجب لا ينفع، الرد الإيجابي باستهداف العدو في عقر داره واسترداد التريليونات من الراعي الأمريكي وكذلك الطائرة والقلم… هو أقل ما يجب فعله.

 

نقاش سياسي أجذم وقمة عربية وإسلامية شكلية انعقدت في الدوحة يشي بموقع الضعف الذي تعاني منه الأمة. لا يحسن الصحفيون ولا الزعماء تفعيل الإيمان بالله لقلب الموازين، ولا أظنهم بما يحملون من ثقافة انهزامية علمانية سيكون لهم أثر في العالم البتة. وللمفارقة، فإن بيان القمة لم يتضمن تحميل الولايات المتحدة المسؤولية، رغم كونها تعلم بساعة الضربة وتستودع العديد في قطر أكبر قاعدة عسكرية.

 

حمدا على سلامة المفرج عنه المناضل الماروني جورج عبد الله، ونشد على يديه لمواصلة شحذ الهمة، فالأمة تحتاج دوما لمن يستنهضها، وإن بدا حالها اليوم أنها مترهلة، لظنها خطأ أن لا حيلة لها تنجيها. ومن المهم جدا تنبيه المناضل ألا يقحم الرموز الدينية في خطاباته، فالأضاحي والهدي من سنن الدين، والقيام بها لا علاقة له بالتقاعس عن نصرة أهلنا في غزة، فهما قضيتان متكاملتان في الثقافة الإسلامية. ومن الجيد جدا ما أشار به المناضل على أهلنا في مصر، بواجب التحرك نحو الحدود مع غزة بالملايين، وألا يبالوا بالتضحيات، فالتضحيات هي مفتاح معبر رفح لا مفتاح سواه.

 

استقلالية الدولة التي ينظر لها جعجع لا تنسجم ومغازلته الدائمة للسعودية، “ملا خيار”! إنه إعادة للسيناريو ذاته الذي ورط لبنان في محور الممانعة ذي الصبغة الطائفية الهجينة، ولكن في اتجاه آخر لا يختلف كثيرا عنه. مصلحة لبنان في توافق بيني لاختيار الأفضل من الشرق والغرب، باستقلالية، وعنفوان، واحترام السمة الغالبة على المجتمع اللبناني.

 

المغاربة واللجاجة في الخصومة

وأخيرا تكتشف الملكية بأن المجتمع المغربي يعيش بسرعتين بين البادية والحاضرة ولا بد من تلاؤم بينهما، إنه تصريح يدين قائليه ويحملهم مسؤولية تاريخية عما في هذا المجتمع المسلم من مظلمة طوال العقود الماضية. ثم إنه لا تنفك هذه التصريحات عن تلمس صاحبها غطاء شفافا يعمي به عما سينفق من أموال عامة في ملهاة رياضية عالمية لا قيمة لها، غير تبذير للمال العام وضيافة لسكارى لاهين سيجتمعون من كل أنحاء العالم في هذا البلد المسلم.

 

ما مصلحة المسلمين من كل هذا؟ وماذا سيفقد الإسلام إن غابت كل هذه الوجوه السياسية عن المشهد؟ أليس بين المغاربة من هو أقدر منا على القيام بواجب الإصلاح السياسي؟ وماذا عن مردودية العمل الحزبي والحبال كلها مشدودة بقوة من المخزن في المملكة المغربية؟ إن أسلوب عمل جماعة العدل والإحسان أفضل وأصدق.

 

فرض التأشيرة المغربية على رعايا تونس والجزائر لحضور مباريات كأس إفريقيا للأمم في نهاية العام الجاري، لغة رمزية تعني عدم الرضا على توجهات السياسية الخارجية للجارين، اللذين يغردان بسمفونية غير متناغمة مع السياسة المغربية. ووضع العصي في دواليب الاتحاد المغاربي عادة يلجأ إليها نظام كل دولة تعبيرا منه عن سخطه من المواقف المناهضة لبلده؛ إنها الرداءة في العلاقات الدبلوماسية بين الأشقاء عندما تأخذ طابعا رسميا، وهي إن دلت على شيء، فإنها تدل على شيخوخة مبكرة لأنظمة الحكم في الشمال الإفريقي، والتي آن لها أن تبيد.

 

فضيحة هزت المجتمع الجزائري برفع التحفظ على اتفاقية “سيداو” في بعض بنودها، وكم من فضائح تبيت بليل ولا يعلم عنها الشعب حتى تقر وتذاع. إن السلطة في الجزائر قائمة منذ الاستقلال على مبادئ علمانية صامتة، تتوخى الحذر الشديد في تمرير كل ما من شأنه أن يثير حفيظة هذا المجتمع المسلم بطبعه؛ ولذلك، فرب ضارة نافعة، فلعل الشعب الجزائري أن يقتنع بأن هنالك خللا بنيويا في أساسات هذه الدولة منذ جلاء الاستعمار عنها، ولا بد من إصلاحات جذرية.

 

أس الأزمة في السياسة التعليمية بهذا البلد يكمن في استنكاف السلطة عن التكفل التام بعلماء الأمة، إن الاستبداد والعرفان متناقضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، فللمستبد الجهول إمكانية وضع القيود، وللعالم الفطن مزية الفكاك منها.

 

الأمن الحقيقي للجزائر في العودة الصادقة إلى أصولها في شتى المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والروحية… عدا ذلك نفخ للشباب في جسد هرم يوشك على الأفول.

 

شلل المقاربات الغربية

هذه الحرب طاحونة لن تتوقف عن فرم كل ما يدخل في جوفها، الروس والأوكران ومن يدعمهم. المقصد أن هذه الحرب قائمة على فلسفة العدمية، التي لا ترى حقا للإنسان في أن يعيش حياته، المقدر له أن يعيشها، بأفضل صورة ممكنة. وعليه، فالإنسانية بحاجة إلى فلسفة التعارف والتعاون، وهي فلسفة خيرة جدا ومجربة وواقعية، وتهدف إلى سعادة الإنسانية ونبذ كل ما من شأنه أن يعكر صفوها أو يدمرها؛ إن الغرب والشرق يغرقان في أمواج صنعوها بأيديهم.

 

“من كان بيته من زجاج فلا يرم الناس بالحجارة”، ذلك مثل الحضارة الغربية التي أدمنت الهجمات الاستغلالية لعالم سمته ثالثا طوال قرون لم تتحسب يوما بأنه سينهض ليرد بهجمات سيبيرانية على منشآتها الحيوية، ويبدو أنها تعطل الملاحة الجوية في عدة عواصم أوروبية ليس إلا بداية لعدمية لن تخدم الإنسانية.

 

السيد “دومينيك دو فيلبان” سياسي فرنسي متناسق جدا مع المنطق الأخلاقي للغرب، الذي وإن كان يحتوي على شيء من المصداقية إلا أنه يفتقد للجرأة في التفريق بين العنف والإرهاب والمقاومة، التي لم يأت على ذكرها الرجل ولا صحفية CNN التي تحاوره البتة، رغم أن الشعب الفلسطيني، الذي تنادي فرنسا بحقه في دولة، يعتبر بأن حماس حركة مقاومة وطنية وليست حركة إرهابية. وهذه المفارقة في التفكير السياسي الغربي تجعل من الدول المعترفة بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة منزوعة السلاح- كما قال الرئيس الفرنسي “ماكرون”- لا تقف بعيدا جدا من الولايات المتحدة الأمريكية الداعمة كليا للكيان الصهيوني، الذي لم يكن له وجود قبل 1948 م.

 

وإن لنا في الحديث المتفق عليه عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) لعبرة، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وأُمُورٌ تُنْكِرُونَها! قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكُمْ». ولقد أعطى الشيخ الغزالي (رحمه الله) مثالا تطبيقيا لمعنى الحديث الشريف من مسلكيات الأطباء المشاهدة عنهم في هذا الزمان، وليته أعطى أمثلة على الأثرة عند الحكام المستبدين في بلاد المسلمين، لأنهم أقوى مثال حي يضرب به على صدق هذا الحديث النبوي الشريف فيما يجده المسلم اليوم من أثرة فجة، وليته بين أيضا للحاكم المستبد ما يجب أن يصنع كما بين للطبيب، وبين للأمة كذلك ما يلزم أن تؤديه فيما لو أصابتها هذه الحال.

 

الأحدث