جدول المحتويات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان محمود يراقب مذياعه الرمادي ذي الطراز القديم الذي ربحه صباح اليوم من محل تجاري بوصفه أفضل زبون لذلك كان يراقبه عن كثب وقد أخذت منه الدهشة مأخذا كبيرا فهو أمام ظاهرة متفردة لم يسبق لشخص ما أن لاحظها أو جرب حدوثها.
لقد كانت الكلاندرية المعلقة على الجدار تشير إلى يوم 20 يناير 2021 بينما كان المذيع في المذياع يقدم نشرة إخبارية عن مجريات الأحداث التي حدثت يوم 20 ديسمبر 2021،
فتح محمود كمبيوتره بسرعة محاولا اكتشاف تاريخ اليوم بشكل أدق من شبكة الانترنت فتبين له أن تاريخ الكلاندرية تاريخ صحيح فشعر بانقباض قوي أسفل المعدة وبدأت دقات قلبه تزداد بعنف شديد.
بدأت عشرات الأفكار تغزو رأسه الكسول في سرعة واضطراب وفجأة تذكر زميله مصطفى الذي طالما وصفه بالمخبول فهو صاحب مختبر غريب يعطي انطباعا غريبا شبيها بالانطباع الذي تتركه المقابر الفرعونية في نفوس الزائرين حيث يمكنك تتوقع كل الغرائب، تناول محمود المذياع ولفه في قطعة جريدة وخرج يهرول من باب الشقة ولديه شعور أن هذا الشيء الذي يحمله ينتمي في غرابته للمكان الذي يعمل فيه صديقه مصطفى.
كانت دهشة مصطفى أكبر من محمود حين أعاد ضبط الراديو على عدة محطات زمنية، 25/فبراير/2026 ، 17/يناير/2030 ، … وبدأ الصديقان يحملقان في بعضهما غير مصدقين لما يسمعانه، فكر مصطفى بصوت مسموع: هل من المعقول أن هذا حدث فعلا ؟!
اكتمل تصديق محمود بما وجده ولم يعد يخالطه ذلك الشك الخفيف الذي شغله طول الطريق وبإلحاح بدأ يستجدي توضيح ما يحدث من مصطفى الذي يدعي علما عميقا بالفيزياء : ماذا يحدث ؟ … اخبرني بالله عليك يا مصطفى
وفي اضطراب مشوب بالريبة تتابعت كلمات مصطفى بتراخي وحذر : يبدو أن هذا الراديو يلتقط إشارات أثير مستقبلية بدا الأمر واضحا لمحمود فهو كان يستمع قبل قليل لنشرات إخبارية لا تنتمي لأي زمن ماض أو حاضر، ولعله لم يكن ينتظر هذه الإجابة
– نعم يبدو الأمر كذلك، لكن كيف!
وفيما أكمل محمود سؤاله كان مصطفى قد جلس على كمبيوتره الخاص وبدأ بطباعة رسالة بشكل سريع ومضطرب على البريد الالكتروني
– إن كان هناك أمر ما يمكن فهمه في هذا العصر يخص هذا الجهاز فسنعرفه من خلال الدكتورة زينب، ثم تابع مصطفى ..
الدكتورة زينب هي إحدى العقول المتطرفة في علوم الفيزياء والرياضيات وقد مارست هوايتها الغريبة والغير مقبولة بمعنى ما في المجتمعات العلمية مما جعلها شبه منبوذة بسبب طموحاتها الغير مقبولة لدى "بسطاء" العقول – كما تسمي المجتمع العلمي – ذات عشاء لقيتها وتعرفت عليها فأخبرتني عن مشروعها العلمي الكبير وهو غريب نوعا ما فهو متعلق بصيغ رياضية للدماغ وتطلق على المشروع "لوغاريتمات الدماغ" .
-لا يبدو لي مشروعا غريبا خصوصا لك أنت ــ قال محمود ــ
– نعم يبدو عاديا، لكنها لا تقصد الدماغ البشري اليوم فقط، اللوغارتميته التي تحلم بها ترسم خريطة دماغية بدلالة الزمن ، متوقعة لقدرات الدماغ البشري على مدى ألف عام في المستقبل.
– ألف عام !!! صاح محمود.
– نعم ، ألف عام ولا تعتبرها لوغاريتمية غريبة بدرجتك هذه، فهي تطمح للوصول إلى أبعد من ذلك ، ربما مليون عام …
في تلك اللحظة كان منبه البريد الالكتروني يطن طنينا خفيفا وفتحت رسالة رد أوتوماتيكية "لقد حددت موقعك وأنا في الطريق"
تابع مصطفى :
-تعتقد زينب أن الكثير من الأشياء التي نقوم بها اليوم أو نكتشفها أو تدخل في مجالات العلوم خصوصا تلك القفزات القوية هي قادمة من المستقبل بطريقة مقصودة، أي أننا نخترع الأشياء لأن أحفادنا المستقبليين وجدوا طريقة ما لإرسال معلوماتها أو تسهيل فهمها لنا
– مجنونة !
– لكن جهاز الراديو يقول شيئا غير ذلك !
دخلت الدكتورة زينب مسرعة ولازالت على رأسها قبعة الحماية الخاصة بالدراجة وصاحت مع دخولها طالبة رؤية الراديو، كان محمود يقترب بيده محاولا مصافحتها وقد حمل مصطفى الراديو اثناء ذلك فيما مرت الدكتورة بسرعة متجاهلة مصافحة محمود وانتزعت الجهاز وبدأت في تفحصه بشكل مكثف، ثم تمتمت بملاحظات غير مسموعة.
-هذا ليس راديو ، هذا كمبيوتر من المستقبل
-هل يمكن توضيح ذلك اكثر؟ ــ قال مصطفى ـــ
-نعم بالتأكيد … هل يمكن أن تناولني مقعدا لو سمحت ، .. كامرتين بمجموع زوايا 720 درجة وهو ما يعني لفة زمكانية ، ليس هناك مزود طاقة ، لا بطارية ، ولا مكان للشحن لكن هناك خرطوما بنهاية داخلية مدببة مع بطانة محول ، الكمبيوتر يتقن استخدام الطاقة المظلمة الكمومية ، هذا الشكل ليس الشكل النهائي للكمبيوتر
كان محمود يهز رأسه في بلاهة موهمة بفهم ما يقال، ثم سأل كمن وجد نقطة معتمة في الشرح :
-مادام كمبيوترا من المستقبل فأين لوحة المفاتيح ؟
التفت الدكتورة وحدقت فيه من فوق نظاراته:
-لماذا لوحة المفاتيح ؟، الكمبيوتر المستقبلي بإمكانه الكتابة بتلقي النصوص سمعيا … الآن لنعد تشغيله ولننظر ماذا قد نجد أيضا ..
بدأت الدكتورة بتقليب الجهاز باحثة عن زر التشغيل وكانت المفاجئة الكبيرة بصدور صوت مفاجئ من الكمبيوتر:
– أهلا دكتورة زينب ، منذ ثلاثة أيام أبحث عنك .
عاد الذهول من جديد لمصطفى ومحمود وظلت الدكتورة منتصبة في مكانها دون أن تتغير تعابير وجهها وبدأت في التحادث المباشر مع الكمبيوتر :
-هل يمكنني معرفة ما اسمك؟
– اسمي 221221 أنا الكمبيوتر الأول من نوعي
– كيف عثرت علي؟
-كانت البداية من المنزل 5 من القطاع ب في مدينة الخرطوم العلمية، يبدو أني وقعت في خطإ حسابي طفيف فقد أكدت حساباتي أنك متواجدة هناك الآن وحين وصلت وجدت أن هذه المدينة العلمية العظيمة لم يتم بناؤها بعد، كان علي اعادة فحص كل قواعد البيانات على الأرض لوضع خطة للوصول إليك، عثرت على صور كثيرة لك وعدة ارتباطات مع الكثير من صلات الربط فحددت الطريق الأمثل عن طريق محمود الذي يحب جمع الأشياء العتيقة ثم مصطفى الذي تربطك به اتصالات سابقة حيث أثرت فيه بشكل عميق بأفكارك ودراساتك التي يظنها غريبة وحالمة.
اخترقت قائمة المبيعات في أكثر متجر يتردد عليه محمود ووضعت رقمي التسلسلي في قائمة المبيعات العتيقة ثم على نفس المنوال حددت رقمي التسلسلي كجائزة لأحسن مشتري من المتجر لذلك العام، وعن طريق الانتقال الآني كنت في المكان و الوقت المناسبين وبشكل جهاز مذياع عتيق ، وكنت راضيا بنسبة 50% حين كنت بين أشياء محمود وبدأت بتمثل النشرات الإذاعية الاخبارية المستقبلية التي جعلته يرتعب ثم يبحث عن الإجابات من صديقه مصطفى الذي سيلجأ إليك فأنت الوحيدة التي ستستمعين لهذه القصة الغريبة ! .
-مبهر …. ما هي مهمتك ؟
– نعم ؟ ، حسنا! يبدو أن المجال المغناطيسي للأرض سيدخل مرحلة الحرج الكارثية مع منتصف القرن الثالث والعشرين، وهذا المجال – كما تعلمين – لو تضاءل أو اختفى سيجعل الأرض فرنا ساخنا بسبب عبور أشعة الرياح الشمسية للغلاف الجوي وستكون الحياة مستحيلة، كما سيحدث قبل ذلك وفي اللحظات البدائية تشويشا كاملا لكل الأجهزة الألكترونية مما يعني بالمجمل غياب العلم .
-كيف يختفي المجال المغناطيسي إذا كان يعتمد على الحديد والنيكل المنصهران في قلب الأرض، واللذان يعتبران أكثر المعادن استقرارا وثباتا؟
-حسنا أنت تعلمين حالة الجشع التي يعيشها الانسان والتي تستمر في الزيادة دائما كلما عرف أكثر ، لقد تأسست شركات تمتلك تكنلوجيا استخراج المعادن من نواة الأرض والتي كان الذهب والنحاس فيها مركزان بشكل كبير على ما كان متوقعا لقد دمرت تلك الاستخراجات المتكررة والغير مراقبة توازن المجال المغناطيسي الطبيعي للأرض، وحلت الكارثة
– بماذا يمكن أن أساعد ؟ !
– حسنا , لقد أرسل عدة حواسيب لعدة علماء عظماء في العالم في التاريخ ممكن يمكنهم فهم ميكانيزمات السفر عبر الزمن ، أي علماء ما بعد النظرية النسبية بمن في ذلك آنيشتاين نفسه ..
نعم نحن نعرف مدى شغفك بهذا العالم لذلك هذه فرصة كاملة للتواصل معه صوتا وصورة فهو الآن جالس في مكتب براعات الاختراع بسويسرا ويحاول صناعة العظمة عن طريق نظرياته المجنونة التي تشبه لوغاريتمات الدماغ الخاصة بك ،
أما ما يمكنك أن تساعدي به فهو الاستشارة على أن اخبرك بالتفاصيل فيما بعد، كل جهود العلماء الكبار على مدى قرنين ستصهر في مشروع علمي كبير لإنقاذ الأرض ، أليس هذا أمر مذهل.
-مادام الأمر كذلك ، فسأكون مسرورة بمشاركتكم في مشروعكم العظيم بعد دقائق من الحديث مع آنيشتاين
-حسنا لا يمكنك الحديث معه الآن لكن سأعرض لك نقلا مباشرا من جولاته في مكتب شقته بزيورخ وهو يحاول كشف الغموض عن نظريته العظيمة.