تخطى الى المحتوى

جدول المحتويات

 

ولأن الحديث ذا شجون، وكل بحب وطنه مسكون، جاء الحديث عن الوطن، والثقافة والسياسة والمهن، فانبرى للكلام ابن ثلاثين، باد عليه أثر النعيم، شديد بياض الوجه، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، وقال: قد كانت البلاد بعد الاستقلال، نهبا لكل مفسد وكال، وسمعة البلاد في الحضيض، ولا دواء لمريض، ولا طريق معبد والشعب كله معبد، ولا كهرباء ولا ماء، ولا أرض ولا سماء، كل من حقه محروم، ورأيه في صدره مكتوم، ولا مطار ولا طائرات، ولا معاهد ولا جامعات، حتى طلع أبو بدر علينا من ثنيات التغيير، وجاء بقميصه البشير، فألقاه على وجه الفقير، فعاد له الأمل، وفتحت "دكاكين أمل"، ووجد كل مأوى يؤويه، بأمه وصاحبته وبنيه، وصدر الكهرباء، وفجر الماء، وبنى البلاد غربا وشرقا، وربط بينها طرقا..

أكان قبله مطار؟

هل شهدنا قبله إعمار؟

لا ينكر فضله إلا مخبول، وتمايل طربا وأنشأ يقول:

فد مسنا وأهلنا *** من قبلكم عزيزنا

ضر شديد هدنا *** حتى أتيت بالمنى

من طرق تربطنا *** وكهربا تضيؤنا

عن الأذى رحلتنا *** والكل صار ذا بنا

رفعتم هامتنا *** لدى الشعوب غيرنا

والحمد لله الذي *** أذهب عنا الحزنا

 

وما كاد ينهي مقاله، ويزهو بما قاله، حتى انبرى له في الحين، شاب ملتح رزين، علي سحنته أثر الطريق، وقال يا أخي ويا رفيق، لو كان للوطن عينين، ولسانا وشفتين، لبكى واشتكى، من ظلم حكامه، المسارعين في إعدامه، الآكلين الشاربين المترفين، هم وشيعتهم، كأنهم ورثوه عن آبائهم، واذكر يا هذا وتفكر، أيام كنا في المهجر، نأكل الفول والعدس، طلاب لا نجد ما نلبس، في عهد النظام البائد، الظالم في نظرك المعاند، إذ جاء الخبر، أن الحكم تغير، وزعيمك بهمته، انقلب على ولي نعمته، وصار لمصرنا عزيز، وما ذلك على الله بعزيز، ووالدك من خاصته، وخالك سيصير مدير حملته، ودالت دولتكم حسب زعمك، كأن البلاد لأبيك وعمك، ومن وقت ذاك والبلد في انحدار، واقتصاده ينهار، والفقير في كبد، والمسكين في نكد، والغني يثري، والفساد يستشرى، والضمير يباع، والصدق ضاع، بيع السمك للصين، وما أدري بيع الحديد أين، ضحكوا على المسكين بالدكاكين، وعلى الشباب بالتوظيف والتعيين، بصفقاتهم نهبوا البلاد، وطغوا أكثر من ثمود وعاد، ضحكوا على الفقير بالترحيل، وأبعدوه عن مكان التحصيل، فرموه ببيداء جرداء، لاماء ولا كهرباء، هل سمعت صرخات المحتجين، أمام القصر الرمادي المكين، ولسان حالهم يبين:

 

لقد أسمعت لو ناديت حيا *** ولكن لا حياة لمن تنادي

 

فبالله عليك، هل من جواب لديك، في بلاد العجائب فقط، يضرب الفأر القط، ويصدر الكهرباء، ويحرم الفقراء، وأمام الضيوف، في القصر المعروف، يصفقون إذ يفضحون، وعلى خيبتهم يضحكون، في عاصمة العجائب، لتوالي المصائب، يتظاهر الزبون والتاجر، والطالب والخريج والشاعر، والسائق والطبيب كل ثائر، والعقدويون والمعلمون، والحراس والمسرحون، ورجال الأعمال، و"ماني شاري كازوال"، لو استطاع المرضى في المستشفيات، لسيرو المظاهرات، وانحدرت من عينه دمعة، وقال: ما كل ليلة جمعة، {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}، وأنشأ يشدو وهو محزون:

 

متى نعيش في هنا *** نأكل من خيراتنا

سمكنا حديدنا *** نحاسنا ونفطنا

يحكمنا أرشدنا *** يحمل سمت الأُمنا

من طغمة تحكمنا *** قد أفسدت يريحنا

تحرمنا حقوقنا *** وأكلنا وشربنا

يا ربنا فلتكشفن *** عنا العذاب إننا

 

وهم القوم بالجدال، والتراشق بالنبال، فتدخل الحكماء بقرار، أن سيجرى حوار، ولأن الأخبار، تبقى في الدار، وحتى يجرى الحوار، استودعكم واستغفر الله لي ولكم…

 

الأحدث