تخطى الى المحتوى

ذكرياتي مع المؤرخ محمد ولد مولود ولد داداه

جدول المحتويات

 

لقد كتب عدد من الأساتذة الكبار مثل الدكتور إبراهيم ولد يوسف ولد الشيخ سيديا، والبروفيسور عبد الودود ولد الشيخ، وغيرهم عن جوانب النبوغ العلمي والموسوعية المعرفية التي كان الأستاذ محمد يتحلى بها، وهي المقالات التي اعتمدت عليها في كتابة ترجمة له في أعلام موريتانيا بموسوعة الكويت للعالم الإسلامي والأقليات المسلمة – التي ستجد النور قريبا-، فيما ستركز هذه القصاصة على شوارد الذكريات مع الأستاذ محمد في جلسات ولقاءات عديدة، حظيت بها معه، وتتمحور بالأساس حول مواقف وأحداث وطنية، نسردها مساهمة في التدوين عن أخبار هذه الشخصية وتناولا لآثارها ومكانتها الوطنية المهمة.

 

وأبدؤها من منطقتنا في الحوض حيث كان هناك أول سماع لي بالأستاذ محمد ولد مولود ولد داداه الذي يعد شخصية مشهورة في الحوض لعمله واليا في دائراتي العيون والنعمة.

 

كانت فترة عمل محمد ولد مولود ولد داداه كرئيس لدائرة العيون عام 1960 – 1961م، قد تركت أثرا طيبا لدى عموم سكان الدائرة ومن بينهم مجموعة الأهل الخاصة الذين نقل محمد "الكناش" الخاص بهم – بطلب منهم – إلى دائرة العيون وفصلهم عن التبعية الإدارية لدائرة الحوض الشرقي، وربط محمد علاقات وطيدة مع بعض شيوخهم وكان يوثق منهم بعض المرويات التاريخية عن الحوض ومن بين هؤلاء حمادي ولد حدي الذي كان يحتفظ بصداقة معرفية وثيقة مع رئيس الدائرة المؤرخ محمد ولد مولود.

 

وعن عمله في الحوض حدثني الأستاذ محمد ولد مولود عن اجتماع ثلاثي انعقد بين رؤساء دوائر النعمة والعيون وكيفة على التوالي السادة: أحمد ولد اباه ومحمد ولد مولود وعبد الله ولد الشيخ نهاية العام 1960م لتدارس تداعيات الوضع الغذائي في المناطق الشرقية على ضوء انفراط عقد فيدرالية مالي التي كانت تجمع السنغال والسودان الفرنسي (مالي حاليا) في 20 أغسطس 1960م وما نتج عن ذلك من توقف للقطار الرابط بين (دكار – بامكو) والذي كان ينقل المؤن الغذائية إلى مالي التي كانت الولايات الشرقية الموريتانية تتزود منها، وقد أسفر الاجتماع الإداري عن كتابة تقرير إلى السلطات العليا في نواكشوط بضرورة التفكير الجدي في شق طريق معبد يربط بين العاصمة والشرق الموريتاني، ويضيف الأستاذ محمد ولد مولود أنه شرح للسلطات العليا أن هذا الطريق يحمل أبعادا إستراتيجية عميقة لها انعكاساتها الوحدوية على النسيج الوطني، فمختلف مناطق البلاد عرفت بشكل دائم السير في اتجاه (جنوب – شمال) ولكنها لم تعرف بنفس القوة والوتيرة السير في اتجاه (شرق – غرب )، وهي الأفكار التي ترجمت لاحقا في مشروع طريق الأمل الاستراتيجي.

 

كان محمد ولد داداه من أشد المتحمسين لقيام كيان موريتاني مستقل غير تابع لأي من دول الجوار، ورغم تحفظه على موقف الجماعة المهاجرة إلى المغرب والتي تبنت المطالب المغربية بضم موريتانيا، غير أن محمد ولد مولود ظل يحترم جل تلك الشخصيات ويرفض الظلم الذي وقع على بعضهم بعد عودته لأرض الوطن لا سيما الأمير محمد فال ولد عمير الذي كان يحظى بمكانة خاصة لدى الأستاذ محمد وهي المكانة التي عمقتها شهادات المغاربة في حقه ومن ذلك ما ينقله الأستاذ محمد عن زميله في الدراسة المفكر والمؤرخ المغربي عبد الله العروي الذي خاطب ولد مولود قائلا: لقد ظل ولد عمير متعلقا بوطنه الموريتاني رغم الحفاوة والتكريم المغربي كيف تسجنونه وتتسببون في موته، لقد كان بإمكانكم سجن أو حتى قتل بقية رفاقه ولكن معاملة ولد عمير بهذه الطريقة أمر لا يليق.

 

لم تكن للأستاذ محمد مواقف عدائية من المغرب على خلفية الشوفينية الوطنية ولكنه كان يرى أن للمجتمعات الصحراوية خصوصيتها الثقافية والاجتماعية التي تصلح كأساس لبناء كيان سياسي معبر عن هذه الهوية الخاصة التي ترفض بطبيعتها المتحررة الذوبان في أي فضاءات أخرى، وكان محمد ولد مولود يرى أن أهم عامل ساهم في تكريس الهوية الموريتانية بعد الاستقلال كان هو الدور الرائد للفنانين الموهوبين مثل سيداتي ولد آبه والمختار ولد الميداح وولد عو وناصره الله بنت انغيميش ومنينة بنت أيدة الذين كان المذياع ينقل إبداعاتهم في أزوان فيسمعها المواطن في باسكنو وبيرأم اقرين وكرمسين وبذلك تكرست هوية موريتانية مستعصية على الذوبان، وفي نفس إطار التنويه بدور أزوان في حماية هوية البيظان يشير محمد إلى أن إذاعة تيندوف وإذاعة العيون حتى الآن لا تبثان أغاني جزائرية أو مغربية بل لا يزال فنانو أم القرى البيظانية (موريتانيا) مثل سدوم وديمي وغيرهم هم المسيطرين على حصص الغناء في هاتين الإذاعتين. 

 

انخرط محمد ولد مولود باكرا في الحراك السياسي الذي أعقب انتخابات 1946م وكان عضو المكتب التنفيذي لحزب الاتحاد التقدمي، ثم عضوا نشطا في حزب الشعب بعد ذلك رغم مسؤولياته الإدارية والدبلوماسية، غير أن توجه النظام نحو إلغاء التعددية وتكريس الحزب الواحد كانت علامة فارقة في علاقة محمد ولد مولود بحزب الشعب الحاكم، وعندما سألتُه ذات مرة عن خطوات إرساء الحزب الواحد ونقل التجربة الغينية واستنباتها في موريتانيا، أجاب بما عرف عنه من عمق وطرافة ،قائلا: "والله من اليوم الذي ذهبوا فيه إلى غينيا كوناكري لم أنتسب لحزب الشعب، مَنْ شيخو توري حتى تنقل تجربته في الحكم؟! أليس هو من أحل قومه دار البوار إلى اليوم!!".

 

في بداية اهتمام الدولة الموريتانية بملف الصحراء الغربية طلب الرئيس المختار من الأستاذ محمد ولد مولود الإداري الاستشاري بوزارة الداخلية – حينها- إعطاء تصور عن الصحراء وتقدير لعدد سكانها بشكل قريب من الدقة، ذهب محمد ولد مولود والتقى بعدد من رجالات قبائل الصحراء وخرج بجملة ملاحظات من بينها صعوبة العيش في هذه الصحراء بسبب ندرة المياه الجوفية (وهو ما يطرح اليوم للمغرب مشاكل عديدة وللتغلب عليها لجأ إلى تحلية مياه البحر بكلفة عالية تفوق سعر بيعه للسكان المحليين بـ40 مرة وفق ما سمعت من المقرئ أبي زيد الإدريسي في محاضرة عامة)، النقطة الثانية التي ذكر الأستاذ محمد أن تقديره الشخصي لعدد السكان بناء على المعطيات التي جمع تشير إلى أنهم يتراوحون بين 60 – 70 ألف نسمة، وهو ما أكدته بعد ذلك الإحصاءات الاسبانية التي أجريت في الإقليم.

 

وعندما طرحت قضية الصحراء الغربية في التحكيم الدولي لدى محكمة العدل الدولية كلف محمد ولد مولود مع فريق لإنجاز ملف موريتانيا في القضية، وقد أبدع الأستاذ أيما إبداع في هذا الملف نظرا لما حشده من وثائق ومستندات وقرائن واستنتاجات أفادت الموقف الموريتاني كثيرا في النزاع القضائي وحجمت المطالب المغربية التي لم يكن في حسبانها القدرات المميزة التي يتمتع بها رئيس الفريق الموريتاني.

 

يرى محمد ولد مولود رحمه الله أن المغرب والجزائر "لا يفقهون شيئا" فلو كان لديهم وعي إستراتيجي حقيقي وحس حضاري لكانوا تجنبوا هذا النزاع وتركوا البيظان في موريتانيا والصحراء الغربية يجتمعون في دولة واحدة، كانت ستخدم الجزائر والمغرب أكثر من حالة الصراع والاستنزاف التي أضرت بجميع الأطراف، وفي تقييمه للمناورات المغربية الجزائرية في الملف الصحراوي يبدي محمد إعجابه بالطريقة التي تعاطى بها الحسن الثاني مع الملف والتي من خلالها صرف أنظار النخبة المعارضة ومن ضمنها مجموعات عسكرية إلى ورقة وطنية جديدة وبذلك خرج المغرب من شرنقة الانقلابات التي عرفها في مطلع السبعينات بالإضافة إلى مزايا تمدده جنوبا في أرض وثروات جديدة، وهو الإبداع المغربي الذي رد عليه بومدين بإبداع آخر وهو نقل الصحراويين وإقامة مخيمات لهم في تنيدوف لتبقى شاهدة على قصة شعب ومركز قيادة لصراع يستعصي على الانتهاء.

 

رغم الجهود الكبيرة التي بذلت للملف الموريتاني في محكمة العدل الدولية، فقد تفاجأ الأستاذ محمد بالاتفاق السري المغربي – الموريتاني، الذي أفضى إلى اتفاقية مدريد 10 نوفمبر 1975م والتي يذكر محمد ولد مولود أن ابن عمه أحمد ولد محمدن ولد داداه زاره في المنزل وقالوا له لقد أرسلوا وفدا إلى مدريد لتوقيع اتفاق مع المغرب لتقاسم الصحراء الغربية وذكر له أن الوفد الموريتاني المغادر ليست بحوزته حتى خرائط للمنطقة لكي يتم التوقيع عليها ثم حدثت الحرب بكل مآسيها وبدورها جلبت الانقلاب والإطاحة بالنظام في العاشر من يوليو 1978م الذي كان محمد يجزم بأن الجزائر تقف خلفه، ولكنها تتعامل مع الأمر كسر دولة، وهو التحليل الصحيح الذي أثبتت المعلومات فيما بعد بما فيها تلميحات كبار ساسة الجزائر الشاذلي والإبراهيمي في مذكراتهما.

 

لا يعلق محمد آمالا على الانقلابات والأحكام العسكرية وهي أحقر بالنسبة له من أن يناقشها ومن طرائفه في هذا المجال وفق ما نقل لي ولم أسمعها منه أن وفدا من ارقيبات الصحراء زاروه، فقال لهم لقد تسرعتم في الذهاب عن موريتانيا لو بقيتم معنا لأمكنكم في عصر الانقلابات السيطرة على الجميع (موريتانيا – الصحراء) فأنتم معروفون بـ(زين العمارة) ومجموعات أقل منكم شأنا من الناحية العسكرية سيطرت بالقوة على البلد، ومع ذلك كان الأستاذ محمد يرى أنه في الصراعات السياسية والحروب لا تكفي ثقافة "العمارة الزينة" فهذه لا تحل الإشكالات القائمة ولا تؤثر في معادلاتها النهائية بل لابد من إعمال العقل والتحلي بالوعي الاستراتيجي والواقعية السياسية.

 

كانت صلتي المتأخرة بالأستاذ محمد سببا في عدم أخذ الكثير من آرائه في كتاب موريتانيا المعاصرة، شهادات ووثائق مع أنني ألحقت بعض تلك الآراء على هوامش الكتاب، وعندما صدر الكتاب نهاية 2009م حملت مسرعا نسخة منه وعليها إهداء خاص للأستاذ محمد، وعدت إليه بعد أيام قليلة في زيارة فوجدته قد أكمل قراءته، قال لي هذا عمل جيد وأهم ما لفت انتباهي فيه هو القدرة على النثر، بلادنا ينقصها الناثرون فقد عرفت شعراء كثرا ولكنها طيلة تاريخها لم تنجب إلا قلة من الناثرين، وكان أول وأهم ناثر عرفته البلاد هو الشيخ سيدي محمد الخليفة الكنتي (ت 1826م)، كانت المعلومة الوحيدة التي علق عليها الأستاذ معترضا هي المعطيات المتعلقة بـ"اعمارة النعمة" مارس 1962م، حيث قال لي من أين استقيت معلوماتك حول اعمارة النعمة؟ قلت من بعض رجالات الحوض قال لي ما قالوا لك ما أنزل الله به من سلطان، أنا كنت حينها والي الحوض الشرقي وبدأ يسرد علي روايته للأحداث، وهي رواية جديرة بالاحترام لعاملين الأول أن صاحبها شاهد مباشر وتتوفر لديه بحكم الموقع الإداري كامل المعطيات، وثانيا كونها رواية مؤرخ محترف يروي التاريخ كما هو من دون حسابات أو ميول شخصية، وهي المعطيات التي سوف أضمنها للكتاب في أقرب طبعة بحول الله، وكان من النكت في ذلك المساء الجميل أن التحق بنا أحد المؤلفين فقال للأستاذ فلان هذا باحث جيد وجميع ما نسب لي في كتابه صحيح وقبل أن يكمل حديثه علق الأستاذ محمد قائلا: بخلافك أنت فإن معظم ما نسبت لي غير صحيح، قال الأستاذ لا تقل ألم ادخل تعديلات وفق ما طلبت مني؟! رد الأستاذ صحيح في النهاية أصبحت الأمور مقبولة.

 

كنت أحمل بفعل الجرعة السلفية والتكوين الإديولوجي حالة من التحفظ والجفاء مع التراث التقليدي وهو ما حرمني من الاطلاع على بعض تراث المدارس الصوفية والعلمية ومنها مدرسة الشيخ سيد المختار الكنتي ، لكن الأستاذ محمد الذي لديه اطلاع واسع على تراث تلك المدرسة وخبرة بتجربتها التاريخية ردني إلى التوازن المطلوب بما كشف لي من أوجه تجديدية وطابع إصلاحي وفاعلية في الأداء، وتكمن أهمية أفكار وملاحظات وأحكام الأستاذ محمد أنه لا يبنيها من فراغ ولا تجد العاطفة سبيلا في بلورتها وهي تقريرات واستنتاجات يتم إنضاجها في عمق المخبر البحثي، وأعتقد أنه في هذا المضمار نجح الأستاذ محمد في جعل الكثير من الباحثين وطنيين وأجانب يعيدون قراءة واكتشاف مدرسة الشيخ سيد المختار وابنه الشيخ سيدي محمد الخليفة، ومن هؤلاء الباحث السوداني عزيز بدران وحماه الله ولد السالم وغيرهم.

 

وقد سر الأستاذ محمد كثيرا عندما أخبرته صيف 2011م بأنني أنجزت كتابا عن الأفكار السياسية لمدرسة الشيخ سيد المختار وهو الكتاب الذي صدر بعد وفاته بأشهر قليلة تحت بعنوان (الفكر السياسي في غرب الصحراء)، غير أن الموضوع الذي ندبني الأستاذ محمد بإلحاح للاهتمام به وإخراجه في كتاب هو تجربة جهاد الشيخ عابدين ضد الاستعمار الفرنسي في أزواد والجنوبين المغربي – الجزائري في الفترة ما بين (1893 – 1927م)، ورغم التحفظات التي كان الأستاذ محمد يبديها حول بعض تجارب المقاومة، فقد كان يحمل إعجابا منقطع النظير بتجربة جهاد الشيخ عابدين الذي كان يرى في تجربته عناصر تميز مهمة مثل استقلال الإرادة و امتلاك مشروع تحريري يدافع عن وطن محدد المعالم بحسب تعبيره، وكان يعجبه في الشيخ عابدين قوة الشكيمة والخبرة العسكرية والسياسية، وهي الخبرة التي أشاد بها الفرنسيون في كتاباتهم حيث يقول عنه أحدهم (الشيخ عابدين هو أحد أبرز الشخصيات المعروفة في هذه الحقبة، تجده في كل الحروب ضد المستعمر، قائد غزو، وسياسي محنك) ولم تكن المصادر الفرنسية هي مصدر معلومات الأستاذ محمد عن تجربة جهاد الشيخ عابدين بل كان يستقي معلوماته كذلك من بعض الشخصيات ذات الصلة المباشرة بالشيخ عابدين مثل الشيخ سيديا ولد أحمدو ولد سليمان ولد أبومدين الديماني الذي هاجر إلى الشمال واستقر فترة من الزمن مع مخيمات الشيخ عابدين في أعالي واد درعة والذي ينقل عنه الأستاذ محمد الكثير من قصص الشيخ عابدين ومنها قصة (أنا لست من ذاك العييل) بالغة الدلالة والتي كان الأستاذ يحكيها كثيرا ويطرب لها، وعندما أخبرت الأستاذ بتقدم الاشتغال على كتاب جهاد الشيخ عابدين سر لذلك كثيرا وكان يطلب مني إعطاءه معلومات عن تقدم البحث، وكان كلما عدت من سفر وجئت إليه بطائفة من الوثائق والمعلومات يطرب لها ويشجعني ومن تلك الوثائق وثيقة بيعة قبائل تافلاليت للشيخ عابدين على الجهاد وحمايتهم من تربص الفرنسيين بمن فيهم الشرفاء أبناء عمومة حكام المغرب.

                                          .                                                                   

                  

 أنجز محمد بعض المقالات والبحوث العلمية التي نشر بعضها في مجلات علمية، لكنه بحسب علمي لم يصدر كتبا كما يتوقع الناس منه ويمكن فهم وإرجاع هذه الظاهرة الغريبة في حياة الأستاذ محمد رغم موسوعيته ورسوخ قدمه في البحث واللغات إلى نزوع الأستاذ محمد نحو الإتقان بدرجة مزمنة وتفضيله لمتعة القراءة والبحث على معاناة الكتابة، وكما قسم الله عز وجل الأرزاق والملكات والأنصبة بين الناس فقد أعطاه سعة العلم وتنوعه وقوة الحفظ والاستحضار وعمق الفكرة وحلاوة الأسلوب والقدرة الهائلة على الإقناع والحجاج ولم يفتح له في سيولة القلم وكثرة التأليف، مع أنه كما يقول البرفيسور عبد الودود ولد الشيخ لا يوجد باحث أو مهتم وطني أو أجنبي كتب عن موريتانيا إلا استفاد فكرة أو معلومة أو مصدرا من الأستاذ محمد، وهذا في حد ذاته مهم، وجماعة الدعوة والتبليغ تقول عن شيخها محمد إلياس الكاندهلوي أنه اشتغل بتأليف الرجال عن تأليف الكتب .وقد بادر مركز دراسات غرب الصحراء (الذي اسسته مهلة بنت أحمد والدكتور محمد ولد امين) قبل سنوات في تسجيل لقاءات بحثية مطولة مع الأستاذ محمد ينبغي العمل على تفريغها وتهيئتها للنشر.

 

تحظى عائلة أهل داداه بمكانة خاصة في قلوب الكثير من الموريتانيين ومحمد ولد مولود ولد داداه جمع معها الخؤولة من عائلة أهل الشيخ سيديا ذات الرمزية الخاصة، وإذا كان أبناء محمدن ولد داداه الرئيس المختار ولد داداه والزعيم المناضل أحمد قد اكتسبا الشهرة والتقدير في قلوب الناس من ميدان السياسة، فإن أبناء مولود ولد داداه الأخوين المؤرخ محمد وشقيقه اللغوي والفقيه الكبير أحمد قد خلدا اسم العائلة وحفرا لها في قلوب الناس مكانة خاصة من ميادين العلم والثقافة.

                            .

وإني لأرجو أن ينال الرجل بعلمه ووعيه وصدق انتمائه لأمته واعتزازه بحضارته وأخلاقه وزهده في الدنيا المراتب العليا، وأرى من حسن خاتمة الرجل أنه حج واعتمر قبل سنتين من وفاته، وقد صلت عليه في الجامع الكبير بالعاصمة جموع غفيرة، وقد رأى صديقي يحيى ولد احريمو الأستاذ محمد بعد موته في رؤيا طيبة، حيث رآه في حالة جميلة يلبس دراعته في أجواء من النعيم، وقد سأله محمد يحيى مندهشا كيف نلت هذا؟ فأجابه الأستاذ لقد نلته بحسن الخلق.               .               
 

الأحدث