تخطى الى المحتوى

جدول المحتويات

 

كان ذاك وقت اللقاء كل ما قلته في نفسي كان التسبيح والتحميد والتهليل لم يكن لدي شك أنه ليس صدفة تهدي الوجود وبدأ الكلام كان عن المقصد من خلق الإنسان وعن الزمان والمكان… وكيف جبلنا على حب الصحراء والحرية…

 

كانت تقاطعني قائلة هي الحياة وهو الحب في الصحراء حيث يضيع الإنسان ويتيه حد الذوبان… حيث الوفاء والكرم والإباء… حيث لا حروب و لا استعمار ولا استغلال… كان الظلام يحل وينقشع فلم يكن بمقدوري أن آخذ صورة ولو يتيمة قد تشفع لي في الهموم، كان الإيمان بالحياة يعادل الإيمان بغيرها لم يكن في الموجود ما يسعف في شرح الفكرة التي أريد أن أقول لها، كأنني وأنا البدوي في ثانية طلب مني أن أشرح لملاح الطائرة الأعجمي قبل أن يقلع خصائص القنبلة النووية التي تعادي الحياة، أن أقول له ما هي…

 

أقلعت الطائرة وبقيت أمتعتي وأشياء أهم… وبقيت أنظر من نافدة الطائرة وهي تجوب ربوع الصحراء حتى أطلت على الحي الذي عرفتها فيه، فأوقدوا نارهم ورددوا أغاني الفرح والترحاب، كانت عينك لا تخطئ الوفاء في كل شيء حتى الثياب البالية والمعاول القديمة كانت وفية لأصحابها.

 

وفاء المشاعر ونقاء الهواء وصفاء السماء، ونور القمر… كان هناك حنان الوطن وعذرية الطبيعة قبل أن ينهب المستعمر خيراتها… حيث لا إرهاب ولا استعمار… هناك معدن الرجال فواصلنا حديثنا من خلف الستار، وكان القلب يصاعد به موج الأشواق وينزل، في دورة عمرها تناقض الحياة بل قل إنها تختصر الألم والمتعة والفرح والحزن حتى أصبحنا في عالم آخر عالم افتراضي.

 

كانت الرسائل تصل متأخرة وأحيانا يصعب فتحها، كان المؤشر ضعيفا، لكن الرسالة الوحيدة التي قرأت بعضها أن ما زال في الوقت متسع ليعم السلام والحب الحياة ولم أتمكن من قراءتها كاملة… تذكرت قصص مرضى الحب وتعوذت بالله من شر شيطانهم…

 

في الليل تحلق الناس من حولي في صعيد واحد يلبسون البياض فامتلأ المكان نورا كأنك في راد الضحى، لم تكن الطقوس مألوفة عند أهل الأرض، كان الجميع يرفع الأربع كانت الإشارة توحي بأن لا حياة في الظلام وأن الحياة أقل شأنا، وأن ما حرمنا منه اليوم ندركه غدا في فضاء الصحراء الرحب… هناك حرموا الهواء، حرموا راحة الأنين وراحة البكاء، لم يتركوا ليعبروا… كم خانوا… كذبوا… وغدروا…

 

حرمت الأم من وداع أطفالها، وسحل الأب أمام ذويه، حرم الأطفال من حق الحياة… سجنوا جميعا وسجن الصوت والهواء… ولم يأت عن خبرهم سوى الأوجاع والأحزان قتلوا الحياء والأبرياء… ودنس النساء حد الاشمئزاز. كان التفويض الزائف هو ذريعة الجلاد، غاب البصر والبصيرة… ليقتل الحمام…

 

فكر الجلاد أنه قد يقضي على حريتهم والشعارات التي خرجوا يرفعونها، فقرر حرق الجميع… حتى اسود وجهه ولقوا ربهم أطهارا. استحت الشمس أن تشهد على هذا الإجرام وأن تنير للقاتل طريق الهروب حتى مات غرقا بدماء الشهداء، ملحمة القتل هي، فيها كل شي، مقتول، ماتت الضحية ومات القاتل… فليس القاتل يحيى…

 

ظل الجميع يتفرج كأنها أسطورة خرافية أو قصة درامية… بل هي الدماء الزكية… نام العالم ونام الجبناء، واختار الله من اختار شهداء. بعضهم قضى شهيدا في العراء والبعض قضى في ظلمة زنزانة تحت أصناف التعذيب… فصاروا سواء… تهمتهم أنهم لم يقبلوا الذل والهوان… أردوا الحق والإنصاف فتمالأ الجميع، وكان ظلم ذوي القربى أشد وأفجع… خرجوا من ضيق المكان وعبروا العالم بأنوارهم يسألون السلام أحسست أن الظلم يعكر صفو الحياة… وأن الاستعمار كذب وفاء الإنسان لأخيه الإنسان… وأن لا حب في عالم يقتل فيه الأبرياء، ويكبت فيه عويل الثكالى.

 

وفي اللحظات الأخيرة من لليل أطلت من خلف الجموع البيضاء كان استثناء من الإعراب، كان جمال التقوى… وحقا لم يخطئها دعاء من أدعية الجدات… كانت العيون تروي القصة تلو الأخرى والحكاية تلو الحكاية عما عاشوه من قتل وظلم، وتخبر أنهم عاشوا التجربة مرارا في أكثر من ساحة، في غزة وبورما… وفي سوريا والعراق…الخ وليست رابعة سوى مثال… كانت نظرات الوداع في ثوان قبل طلوع الشمس… لتسكن العيون.

الأحدث