جدول المحتويات
)2)
أما اليوم (١/محرم) فقد بدأ عام جديد (١٤٣٥ للهجرة)، ومع أولى تباشيره يكون الزمان قد استدار كهيئته يوم تنفست رئة الصبح عن عهد جديد، تدفق شلالا مباركا من حمى البيت الحرام، وانداح نورا فياضا من قلب النبي صلى الله عليه وسلم، وتمدد رسالة بعث وإحياء وتحرر ونهوض وإخاء! فحطم الحدود وكسر القيود، وأطلق يد الإنسانية من وثاق الأسر، وفتح أمام المستضعفين مجالا رحبا لصناعة الحياة…!
(3)
باليوم الجديد تطل ذكرى الهجرة النبوية وما تثيره من أشواق التحرر وتبعثه من روح التضحية والفداء، وتحمله من أنوار الأمل الواثق بوعد الله ! تطل ذكرى الهجرة النبوية لتذكر المؤمنين-والأمة أحوج ما تكون- بأن للحق ثمنا، وللنصر ضريبة ومقدمات، وأن قوة الباطل لا تدوم، وأن دين الله منتصر لا محالة، وأن الفرج بعد الشدة، وأن المؤمن لا يسد عليه باب…!
(4)
وأستأذن في التحول إلى الشعر من خلال قصيدة في ذات السياق كتبتها قديما، أراها ما تزال معبرة عني-وإن كانت من بواكير ما كتبت- إلى حد كبير ! كتبتْ هذه القصيدة قبل سبع عشرة سنة في ذكرى الهجرة النبوية لعام ١٤١٨ الموافق ١٩٩٧ وألقيت في القاعة الكبرى بالمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية -سنة تخرجي- في أمسية شعرية بالمناسبة
طرقَ البابَ من خيالِ الدُّهُورِ طالبُ الوصْلِ حاملا للسُّرُرِ
مزَّقَ البينَ حين ألقى عصاه عند بابي من بعد طولِ المسير
فاعتراني السرورُ بعد اكتئاب واعتراني الحماسُ بعد الفتور
قلت في لهفةٍ وشوْقٍ عميقٍ ضارب الجذر في خفايا الضمير
مرحبا، والحروف كانتْ مرايا تعكس البِشْرَ من عميق الشعور
زارَني النورُ بعد ليل طويلٍ أغْرَقَ النفسَ في بحار الشُّرُورِ
بعد همٍّ أقامَ دهرا بقلبي يحجب الشمسَ عن عيون البصير
مزَّقَ البشرُ ثوبَه بلْ رماهُ فوق وعْرٍ على مئات الصُّخور
زارَ ذاك الحبيبُ لهْفي عليه دونَ إذْنٍ قلوبَ كلِّ الصُّدُور
لمْ أكنْ قدْ رأيْتُ ضيْفاً وقُوراً يدْخُل البيْت دون إذْن المَزُورِ
فأثارَ السُّؤالَ عندي وليْتي قدْ وجَدتُ الجَوابَ عند البشيرِ
أين ذاك الظلام؟ أمسى سرابا؟ أين ولَّتْ كتائبُ الدَّيْجُورِ
لسْتُ أدْري كيفَ استحالتْ دياجٍ حالكاتٌ إلى ضياءٍ مُنير !
أضُروبٌ من المآسي تولَّتْ عندَ ضرْبِ البشيرِ دُفَّ السُّرورِ
هي حالٌ لبثثتُ فيها وحيداً أتلظَّى بحرِّ نارِ السَّعيرِ
أرمُقُ الكونَ يَمْنةً وشِمالاً ثمَّ أثني بطرْفِ ذلٍّ حسير
إذْ هفا منْ نسيم عطر العذارى ريحُ مسكٍ من العبير المثير
وتراءتْ أمام عيني رياضٌ تُلْبسُ القلْبَ من نضير السُّرورِ
وسمِعتُ الحَمامَ يتْلُو بشدْوٍ (طلع البدرُ) من وراء السُّتورِ
فانْجلى الحُزْنُ واطَّبَتْني لُحُونٌ رجَّعتْها الدُّهورُ بعدَ الدُّهور
كيفَ أشْدو وقدْ ملكْتِ لساني هجرَةَ الفتْحِ واسْتلَبْتِ ضَميري
لوْ ملكْتُ البيانَ ظلَّ مِدادي جاريًّا كانسـِيابِ ماءِ الغدير
ينشُرُ البشْرَ فوقَ وجْهِ الصحاري بعد ما قدْ عراه لفْحُ الزَّفِيرِ
كيْفَ أشدو وقدْ عَجزْتُ وهذي ذكرياتٌ تهزُّني منْ جُذوري
حيثُ عيدُ الزَّمان يُضْفي علينا حُلَلَ العزِّ من هدايا العُصُور
مرحباً يا ذكرايَ مرحى ومرحى زغْردَ الشعرُ في ثنايا السُّطورِ
ذكِّرينا الدُّروس إنا نسينا علِّلينا كأساً من التَّفْكِيرِ
علِّمينا إذا العدُوُّ تَمادَوْا في عنادٍ وشدَّدُوا بالنَّكير
أوْ أداروا الكؤوسَ مَلْأى بكيْدٍ كيْ يُعيقوا الشُّموسَ دون الظُّهورِ
أمْ كفاني أني أخذتُ دروساً صاغها المصطفى بهذي الشُّهورِ
ورأيْتُ التاريخَ عادَ مراراً كيْ نُعيدَ الدروسَ دونَ شُعور!
نقلا عن صحيفة الأخبار إنفو