تخطى الى المحتوى

ما الذي أخرج "الهابا" عن صمتها؟!

جدول المحتويات

 

واتهمت الهابا في البيان الصادر عن مجلسها بعض الإعلاميين بتداول كل ما يلتقطه من أخبار، وكيل وافر التهم للناس دون تحر، ولا تدقيق، "حتى لكأن الشائعة أصبحت مصدرا يوثق به، والقذف والإهانة شكلين معتمدين من أشكال حرية التعبير".

 

وألزمت الهابا في بيانها كل الصحفيين ومسؤولي المؤسسات الإعلامية، بالاحترام التام للنصوص والالتزامات القانونية، ولقواعد وأخلاقيات المهنة، الصحفية، مؤكدة أنها ستعمل "بكل ما أوتيت من صلاحيات على فرض التشريعات المعمول بها في هذا المجال".

 

ورأى مجلس الهابا أن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز لم يسلم – مما وصفته – بـ"آثار نقص المهنية وغياب الوعي القانوني لدى الصحفيين"، واصفا بعضهم بأنهم "لا يميزون بين الحياة الخاصة، والحياة العامة لرئيس الدولة".

 

وأكد مجلس السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية أن هذه الخروقات ألحقت "بالغ الضرر بالمصلحة العليا للأمة، وبعلاقات الجوار والتعاون بين بلادنا وعدد من الدول الشقيقة والصديقة". حسب نص البيان.

 

ورغم أن واقع الصحافة الموريتانية يحتاج إلى علاج جذري ينقيها من الشوائب التي علقت بها، وشوهت سمعتها وميعتها منذ بداية المسلسل الديمقراطي، إلا أن هذا الجانب ظل خارج اهتمام السلطة، مع أن القانون صريح في تحديد شروط وضوابط الصحفي، وكذا المؤسسة الصحفية.

 

خروج السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية عن صمتها الطويل، طرح عدة تساؤلات لدى الهيئات الإعلامية والإعلاميين، والمتابعين حول الأحداث التي أخرجت الهابا من صمتها، ودفعتها لاستخدام لغة شديدة اللهجة اتهمت فيها بعض الإعلاميين بـ"نقص المهنية، وغياب الوعي القانوني".

 

ويمكن إرجاع "غضبة" الهابا المفاجأة – حسب العديد من المتابعين – إلى أسباب عديدة من بنيها:

 

الاهتمام الإعلامي المتزايد بمحيط الرئيس

فقد عرفت الأسابيع الأخيرة حضورا لافتا لمحيط الرئيس محمد ولد عبد العزيز في المجال الإعلامي والتدويني عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهو اهتمام جاء عقب أحداث كان لأقارب الرئيس دور فيها، أو بسبب تحقيقات إعلامية تم نشرها حول تزايد نفوذهم، أو إثرائهم بشكل غير مبرر. ومن بين هذه الأحداث:

 

شاحنة الأمن الغذائي

فيوم 16 – 06 – 2015 نشرت وكالة الأخبار صورا لشاحنة تابعة لمفوضية الأمن الغذائي، وهي تحط مواد غذائية في منزل مملوك لأسرة الرئيس محمد ولد عبد العزيز في تفرغ زينة، كما أخذت القضية اهتماما كبيرا في الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي.

 

ورغم احتواء الرئيس ولد عبد العزيز للقضية بإقالته لمفوضية الأمن الغذائي، وإصداره لأوامر بإعادة الشحنة إلى مخازن المفوضية، إلا أن صدى القضية بقي أياما على المواقع الإعلامية، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي بموريتانيا.

 

مناصب سامية لأقارب الرئيس

كما نشرت صحيفة الأخبار إنفو في عددها 112 الصادر بتاريخ: 01 – 07 – 2015 تحقيقا ضم أسماء 30 شخصية من محيط ولد عبد العزيز العائلي، تم تعيينها في مناصب سامية خلال الأعوام الأخيرة.

 

وتوزعت هذه الشخصيات بين المناصب التنفيذية السامية، والمناصب الاقتصادية البارزة، وكذا المناصب الأمنية والعسكرية.

 

ومن بين هؤلاء رئيس مجلس الشيوخ محسن ولد الحاج، ومحافظ البنك المركزي عزيز ولد الداهي، ومدير وكالة سجل السكان والوثائق المؤمنة امربيه ولد الحضرمي، وقائد أركان الطيران العسكري العقيد محمد ولد الحريطاني، ومدير أمن الدولة "الأمن السياسي" سيدي ولد باب حسن، وآخرين.

 

أثرياء بلا سبب

كما نشرت صحيفة "الأخبار إنفو" في عددها 114 قائمة بقائمة لشخصيات أثرت بلا سبب خلال الأعوام الأخيرة، ويجمع بينها العلاقة بولد عبد العزيز، وذلك في ظل تأكيد ولد عبد العزيز قبل أشهر عدم "امتلاكه مصنعا لرجال الأعمال".

 

وقد امتلك بعض هذه الشخصيات ثروات طائلة في ظرف وجيز، وأقامت استثمارات عملاقة في العديد من المجالات.

 

ومن بينهم افيل ولد اللهاه، وأخوه محمد يسلم ولد الله، وسيد محمد ولد ابوه، ومحمد الأمين ولد بوبات، والدي ولد الشاش، وكمال ولد محمد محمود ولد محمدو، ومولاي أحمد ولد مولاي اعل، وآخرين.

 

حادثة الماندرين

ليل الأحد 08 – 09 أغسطس الجاري أطلق الشاب اعل ولد اجيرب النار من بندقية صيد كانت بحوزته على العامل في متجر "شنقيط ماركت" سيداتي ولد معطلل، وقد أخذت القضية صدى كبيرا في وسائل الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب القرابة التي تربط ولد اجيرب بالرئيس ولد عبد العزيز.

 

وقد خضع ولد معطلل لعملية جراحية في مركز الاستطباب الوطني أزيل عنه خلالها الرصاص الذي استقر في ذراعه، قبل أن ينشر الطرفان صورا لهما، ويتحدثا عن اتفاقهما على تسوية مالية للملف.

 

وقد مثل ولد اجيرب لاحقا أمام القضاء حيث تمت إحالته إلى السجن.

وخلال الحادثة عاد الحديث عن رصاصة نجل الرئيس بدر ولد عبد العزيز، وخصوصا طريقة التسوية التي تم بها طي ملفها، حيث حضر التخوف من أن يسلك ملف ولد اجيرب الطريق ذاتها.

 

الاعتداء على المؤذن

كما أخذت حادثة أخرى وقعت في أحد مساجد تفرغ زينة – خلال الأسبوع الحالي – اهتماما أقل من الحوادث الأخرى، وهي حادثة اعتداء رجل الأعمال امربيه ولد اعبيدي على مؤذن مسجد في تفرغ زينة يسمى محمد محمود ولد محمد فال،  وقد جرى ربطها بالرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بسبب قرابته من رجل الأعمال المتهم بالاعتداء على المؤذن.

كما أخذت الحادثة صدى في مواقع التواصل الاجتماعي.

 

هيئة زوجة الرئيس وابنه

وكانت آخر القضايا التي يتناولها الإعلام على نطاق واسع، ويتم ربطها بالرئيس ومحيطه، قضية الهيئة "الرحمة الخيرية" التي وزعت يوم الاثنين 17 – 08 – 2015 أدوية وسيارات إسعاف على بعض المراكز الصحية في انواكشوط بينها مركز الاستطباب الوطني، ومركز الرياض الصحي.

 

وقد ظهر نجل الرئيس أحمد ولد عبد العزيز أثناء تسليم الهيئة لهذه المساعدات، كما أثار الموضوع جدلا واسعا في وسائل الإعلام حول طبيعة علاقة زوجة الرئيس وابنه بالهيئة، كما حضرت مقارنة الهيئة مع الهيئة الخيرية التي أعلنت عنها زوجة الرئيس الأسبق ختو بنت البخاري، والتي كانت من المبررات التي ساقها بعض الداعمين للانقلاب عليه.

 

وكان لمواقع التواصل الاجتماعي دورها في زيادة النقاش والجدل حول الهيئة، وتوسيع دائرة الاهتمام به لدى الرأي العام الموريتاني.

 

طموح المأمورية الثانية

بعض المتابعين رأى أن أكثر الأسباب وجاهة لخروج الهابا من صمتها هي دخول مأمورية رئيسها الحالي حمود ولد امحمد سنته الأخيرة، والذي عين في المنصب بمرسوم رئاسي صادر يوم 12 – 06 – 2012 لمأمورية من أربعة أعوام.

 

ويرى هؤلاء أن ولد امحمد أرى من خلال هذه البيان شديد اللهجة تسجيل نقاط قد تخدم التمديد له لمأمورية أخرى، أو تمنحه منصبا أفضل في مكان آخر.

 

ورغم محاولة ولد امحمد ضبط المجال الإعلامي بعيد تعيينه، وعقده لسلسة اجتماعات أنتجت مع عرف حينها بـ"مجلس الضبط الذاتي"، إلا أن أنشطة الهيئة تراجعت بعد ذلك بشكل لافت، وغابت ملتقياتها، واقتصرت أنشطتها على جلسات مع القائمين على الفضائيات والإذاعات الخاصة في موريتانيا.

 

وتشير مصادر متابعة للحقل الإعلامي في البلاد إلى سباق مبكر على نيل رئاسة الهابا، وخصوصا من بعض الشخصيات الإعلامية المقربة من الرئيس، والتي دأبت خلال الفترة الماضية على اتهام الهابا بالتقصير في دورها، والتقاعس عن الجهد المنوط بها في ضبط المجال الإعلامي.

 

ويتداول المهتمون بهذا المجال عدة أسماء بعضها يتولى في الوقت الحالي مناصب سامية في وزارات سيادية، أو على مؤسسات إعلامية عمومية، وبعضها يعمل في مجال الإعلام الخصوصي.

 

العجز المالي واستباق التوسيع

بينما ذهب آخرون إلى أن البيان جاء للفت الانتباه إلى المؤسسة، وخصوصا العجز المالي الذي تواجهه في ظل عدم تغطية الميزانية المخصصة للمؤسسة للحاجيات المتزايدة لها، حيث لا تتجاوز  145 مليون أوقية، أنفقت منها في النصف الأول من العام الحالي أكثر من 75% منها، حيث بلغ إنفاقها 109 – حتى الآن – أكثر من 109 مليون أوقية.

 

ومع تزايد الحديث عن توسيع السلطة مع بداية مأموريتها الجديدة، بزيادة أعضائها وتوسيع صلاحياتها، يتزايد الصراع على قيادتها بين الأطراف العديدة الراغبة في ذلك.

 

 ويتهم العديد من الإعلاميين الناشطين في الأغلبية السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية بالتقاعس عن القيام بدورها في ضبط الإعلام، ويرى بعضهم أن المؤسسة تصرف جل جهدها في الصراع مع الهيئات الأخرى الموازية لها وخصوصا وزارة العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، وتتغاضى عن "الفوضى" الخطيرة التي يعرفها الحقل الإعلامي.

 

غياب مطلق

وغابت السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية خلال الفترة الماضية بشكل مطلق عن مواكبة التطورات الإعلامية التي تعرفها بالبلاد، باستثناء الحالات التي قدمت لها في شكوى من وسائل الإعلام، وتحديدا أثناء الحملة الانتخابية.

 

ومن المحطات التي غابت فيها الهابا عن القيام بدورها، عدة حوادث أثارت الرأي العام  الموريتاني، من أبرزها:

 

نشر الإلحاد: فقد نشرت مواقع موريتانية مقالات تشجع الإلحاد أو تدعو له، كما نشرت أخرى مقالات مسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد التزمت الهابا تجاه هذه الأحداث.

 

الإساءة للمحظرة: حيث تتداول وسائل الإعلام الموريتانية من حين لآخر مقالات وتقارير تسيء للمحظرة الموريتانية، وتحاول ربطها بالإرهاب، وتصنفها كأحد مصادره، ورغم ذلك لم يسجل أي موقف للسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية تجاه هذا الموضوع.

 

كما أن من المواضيع التي تجاهلتها "الهابا" الإساءة للعلماء عبر وسائل الإعلام الموريتانية، ونشر مقالات تكيل لهم التهم، وكل "أنواع الشتائم والقذف"، دون أن يكون للهابا أي موقف منها.

 

ومن آخر القضايا التي تناولتها بعض وسائل الإعلام التغطية الصريحة للأنشطة القبلية عبر المواقع وشاشات التلفزيون، وأثير الإذاعات، ومن بنيها نشاط مبايعة قائد جديد لإحدى القبائل، وكان السجاد الأحمر خلالها حاضرا إلى جانب أنوع مختلفة من الأسلحة، وقد واصلت الهابا التمسك بصمتها تجاه هذه التغطيات.

 

التساؤل مشروع عن "الاستفاقة المفاجأة"

نقيب الصحفيين الموريتانيين أحمد سالم ولد المختار السالم رأى في تصريحات لصحيفة "الأخبار إنفو" أن التساؤل مشروع عن أسباب الاستفاقة المفاجأة للهابا، "وفي هذا الوقت بالذات الذي تكاثرت فيه مساءلة واستدعاء الصحفيين"، واصفا الأمر بأنه مثار قلق لديهم في نقابة الصحفيين، وخصوصا "في حال أخفت هذه الاستفاقة المفاجئة من السبات توجها لا نعرف مداه ولا من يقف خلفه".

 

وأكد ولد المختار السالم سلامة ما تضمنه البيان "من الناحية الطبيعية والقانونية والمهنية"، مردفا أنه "من آكد الأمور في الوقت الراهن، وشرط أساسي لاستمرار وصيانة الحرية الصحفية التي نتمتع بها اليوم"، مشددا على تثمينهم له "من هذا الجانب"، وشدهم على "يد كل من يدعو للمهنية وأخلاقيات المهنة الصحفية، ويسعي لصيانة أعراض الناس، ويضمن حرية التعبير، ويعمل لصيانتها، وتعزيز المكتسبات في المجال الديمقراطي".

 

وأشار ولد المختار السالم إلى أن من مآخذهم على بيان الهابا أنها "يجب أن لا تنظر من زاوية واحدة في ما يعني تطبيق القانون. فوضعية الاسترقاق المهني التي يكتوي بنارها الصحفيون صباح مساء لا يمكن السكوت عليها خصوصا أن دفاتر الالتزام تشترط وجود عقود لصحفيين مهنيين. وهي العقود التي لم تبرم يوما وهذه وضعية لا تخفي علي أحد ففي كل يوم يتم تسريح الصحفيين دون أدني حقوقهم بعد أن يتم استغلالهم فترة وبشكل مفرط ودون أدني شفقة".

 

وأردف: "لكي لا تكون الصحوة المفاجئة عرجاء تسير على قدم واحدة، فلا بد من النظر في هذه القضية وحلها بشكل فوري".

 

وأكد ولد المختار السالم أنه "صحيح أن شخص رئيس الجمهورية يحميه القانون والتطاول عليه والخوض في حياته الخاصة وكيل الاتهامات له مسألة لا يسمح بها القانون، فهو رمز الدولة ورمز لنا جميعا ما دام انتخب من طرف الشعب، والإساءة عليه إساءة على الجميع، بيد أن مسؤولي الدولة والشخصيات العمومية والخصوصية الأخرى لها قدسيتها التي يحميها القانون وهي في أحايين كثيرة مرمى لنصال القذف والسب والشتم".

 

وختم ولد المختار تصريحه لـ"الأخبار إنفو" بقوله: "ما نريده من صحافتنا هو الالتزام بقواعد وضوابط المهنة التي ينص عليها القانون، وما نريده من الهابا ليس عملا ظرفيا، وإنما أن تكون حكما عادلا يسهر على المصلحة العامة فيما يخص النشر ومصلحة المؤسسات الصحفية والصحفيين بما ينصفهم ويمكنهم من حقوقهم دون تعسف ولا تهديد".

 

بيان مغازلة للنظام

رئيس رابطة الصحفيين الموريتانيين محمد عبد الرحمن ولد ازوين وصف بيان السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية الأخير بأنه "محاولة مغازلة للنظام"، مؤكدا أنه تضمن "جملا غير مبرر، ولا مسوغة قانونيا"، ولم يكن في أصله ضروريا.

 

ورأى ولد ازوين في أن البيان جاء بعض بيات شتوي طويل للهابا، معتبرا أن خلطها بين الرئيس وأسرته لم يكن موفقا، فالرئيس – يقول ولد ازوين – يجب احترامه رمزيته، لأن جزء من رمزية الجمهورية، مشيرا إلى أنه كان أول من ألغى حبس الصحفيين في قضايا النشر بمبادرة مشكورة منه.

 

أما أسرته – يضيف ولد ازوين – فهي كأي أسرة موريتانيا، لها من الاحترام ما لكل الأسر، مردفا أن من لا يريد أن يتناوله الإعلام فليبتعد عن الشأن العام.

 

وشدد ولد ازوين على ضرورة تعديل قوانين الهابا، لتوضيح نوعية علاقتها مع الصحافة المستقلة، لأن علاقتها الحالية بها يشوبها الغموض، إضافة لتوسيع مجلسها ليضم على الأقل أربعة من الصحفيين المهنيين، وكذا مواجهة نقص مواردها بتوفير الموارد اللازمة لها، حيث تواجه منذ عامين بياتا شتويا، فخلال العامين الماضيين لم تقم بأي نشاط ميداني. يقول ولد ازوين.

 

وأضاف ولد ازوين أن من القضايا المهمة كذلك في هذه السياق توضيح نوعيةى علاقتها بوزارة العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، وأيهما تتبع الأخرى، وحسم الأمر قانونيا وبشكل صريح.

 

 

 

الأحدث