جدول المحتويات
وكشف المستندات التي حصلت عليها "الأخبار إنفو" اتهام ولد سيد محمد بربط علاقة مع رئيس إحدى أشهر شبكات المخدرات في تاريخ موريتانيا واسمه (ع / ب) ويشتهر بـلقب "آم" حيث تعاون معه في متابعة بعد المجرمين، كما تحدث آم للمحققين عن تقديمه مبالغ مالية لمفوض السبخة حينها ومدير الأمن السياسي الحالي ولد سيد محمد.
وأكد "آم" – وهو عامل في محل ميكانيكي – للمحققين عن إطلاق ولد سيد محمد لسراح والدته العجوز التي اعتقلت وبحوزتها كمية من المخدرات – والمعلومة الأخيرة يثبتها ولد سيد محمد نفسه – .
ويضيف أم للمحققين الموريتانيين أن المفوض ولد سيد محمد أخذه إلى مكان منعزل، وكشف له عن الخبر السار، مشددا على ضرورة كتمان الأمر وعدم تبليغ أي إنسان بالأمر؛ بل "طلب مني – يضيف آم – أن أقول إن والدتي أطلق سراحها من طرف القضاء الموريتاني وليس الشرطة".
شهود من أهل "المفوض"
ملف اتهام ولد سيد محمد وتورطه في ملف المخدرات شهد عليه عدد من "أهل ولد سيد محمد في الشرطة الموريتانية"، متحدثين عن "وقائع" عديدة منها التساهل مع متورطين في تجارة المخدرات، والتعهد بإطلاق سراح آخرين، وتأجيل الإجراءات وتجميدها بالنسبة لآخرين، إضافة لواقعة التلاعب بمحضر متهمة تسمى عيستا با من خلال الحديث عن "ملف طبي" لديها من أجل إطلاق سراحها، وتم إدراجه في الملف أن يكون موجودا.
مفتش الشرطة (ش / م) – وكان يعمل ولد سيد محمد في مفوضية الشرطة حينها – قال إن ولد سيد محمد أمره بتجميد إجراءات موقوفة لدى الشرطة وبحوزتها كميات من المخدرات، مردفا أن أوامر المفوض جاءت في وقت كانت فيه إجراءات إحالة المتهمة "قيد الانتهاء".
وتحدث المفتش عن مساع قام بها المفوض ولد سيد محمد لدى وكيل الجمهورية لإطلاق سراح المتهمة بعد إحالتها، مشيرا إلى أنه كان شاهدا على مكالمة بين المفوض ولد سيد محمد ووكيل الجمهورية حينها حول ملف السيدة.
وأكد مفتش الشرطة (ش / م) أن المفوض "حيا وكيل الجمهورية وتحدث معه حول قضية "عيستا باه"، قائلا له: "إنها سيدة عجوز أخبرك المفتش من قبل بحالتها ونود منكم إطلاق سراحها"، مشيرا إلى أنه كان يسمع حديث المفوض، ولا يعرف شيئا عن فحوى حديث وكيل الجمهورية، ناقلا عن المفوض ولد سيد محمد قوله: "إن وكيل الجمهورية رفض إطلاق سراحها"، غير أن المفوض ولد سيد محمد – يضيف المفتش (ش / م) أكد لي أنه سيتم إطلاق سراحها".
مفتش الشرطة (ش / م) أكد أنه تعرض لمحاولات عدة من أجل إطلاق سراحها قبل عودة المفوض من إجازته، وقد رفضها، مضيفا أن الشخص الذي كان يحاول التوصل معه إلى حل ذهب عنه إلى المفوض بعد يأسه منه، وعودة المفوض ولد سيد محمد.
ودافع المفتش عن المحضر الذي أعده، – والذي ظهر لاحقا أنه يتحدث عن ملف صحي للمتهم عيستا با – لا وجود على أرض الواقع، مؤكدا أنه لم يكن يتوقع "أن يضيف المفوض ولد سيد محمد ذكرا للحالة الصحية للمعينة".
كما قدم رقيب الشرطة (م / ح) هو الآخر شهادة في الموضوع قال فيها إنه خرج من مكتب المفوض من أجل استلام [محضر أضيف فيها] ذكر الحالة الصحية [للمتهمة عيستا با] في آخر المحضر".
وأكد الرقيب (م / ح) أن المفوض – ومدير الأمن السياسي الحالي – سيدي ولد سيدي محمد قال له "بالحرف الواحد عليك إضافة هذا بأمر من المسؤول"، مردفا أنه لا يتذكر "هل ذكر الحالة هذه تم تحريره من طرف المفوض أو المفتش"، مشيرا إلى أن بإمكانه "تمييز خط الاثنين"
وأشار الرقيب (م / ح) إلى أنه لا يتذكر "طلب تشخيص الحالية الصحية للمعنية الموجه إلى المستشفي الوطني"، لكنه "متأكد أن الشهادة الطبية الصادرة عن مركز الأمراض العقلية لا توجد بالمحضر".
معاملة تفضيلية
المفوض سيدي ولد سيد محمد اعترف أثناء التحقيق معه بتقديم معاملة تفضيلية للمتهمة عيستا با، قائلا إنه أخبر بوضعيتها، وسمح لأفراد الشرطة المداومين أن يطلقوا سراحها استجابة لطلب سيدة أخرى تعهدت بإرجاع بعد أن تبيب معها.
وأشار المفوض إلى أن السيدة التي توسطت في ملف "عيستا با" جارة للمفوضية، واصفا تصرفه بأنه "تغاض" عن إطلاق سراح المتهمة، والسماح لها بالمبيت خارج المفوضية، مع أنها أوقفت في حالة تلبس، وضبطت بحوزتها كميات من المخدرات.
وتهرب ولد سيدي من مسؤولة التلاعب بمحضرها والإشارة فيه إلى ملف صحي لا وجود له، مؤكدا أنه لم يعط أمرا بذلك، طالبا أخذ شهادة أفراد الشرطة الذين صحبوها إلى مركز الأمراض العقلية.
ورغم أن المفوض هو من وقع المحضر الذي ذكرت فيه الشهادة الطبية التي لا وجود لها – وأن أحد أفراد الشرطة قال إنه أمر بذلك – فقد نفى علمه بالشهادة أصلا، كما نفى أن أعطى أمرا مكتوبا أو شفهيا بإضافة الفقرة المتعلقة بالشهادة الطبية.
عمليات عديدة
المفوض سيدي ولد سيدي محمد المولود سنة 1960 في أكجوجت بولاية إنشيري تحدث للمحققين الموريتانيين عن العديد من عمليات الاتجار بالمخدرات التي وقعت أثناء توليه إدارة مفوضية المقاطعة الخامسة بالعاصمة انواكشوط.

ومن بين العمليات التي تحدث عنها ولد سيد محمد ثلاث عمليا قتل بشعة –لم يستطرد في أسبابها – كما تحدث عن عملية "تفكيك شبكة كانت تقوم بتصنيع الكحول".
وأضافة لهذه العملية أكد المفوض توقيف مفوضيته "لمجموعة من الغانيين كان أحدهم قد ابتلع كمية من الكوكايين تزن 10 غ، وقد أخضعت للمراقبة حتى تم استرجاع هذه الكمية".
كما تحدث المفوض ولد سيدي محمد عن توقيف سيدة كانت "برفقة شخصين أو ثلاثة وبحوزتها كمية صغيرة من القنب. هذه المرأة المسماة راماتا كانت تتاجر بالقنب بين موريتانيا والسنغال".
وأكد المفوض اعتراف رامتا "بتصفية بضاعتها عن طريق مجموعة من الأشخاص"، محيلا إلى مفتش الشرطة في المفوضية لأنه قد يكون أكثر اطلاعا على تفاصيل هذه القضايا.
وأشار ولد سيدي محمد إلى أنه وجدوا لدى رامتا إضافة لكمية القنب مبلغ أزيد من 1 مليون فرنك إفريقي، بالإضافة لمبلغ 400 ألف أوقية.
وتحدث المفوض عن تدخل محام يسمى جاكانا، معتبرا أنه عمل كل ما بوسعه من أجل إطلاق سراح السيدة، معتبرا أن المبلغ المصادر لا قيمة له إذا ما تم إطلاق سراح السيدة.
وقال ولد سيدي محمد إنه هدده بأنه قد يفقد إمامه صفته كمحام إذا أصر على استخدام هذا الأسلوب، مردفا أن قام بطرده بعد ذلك وإحالة السيدة إلى المحكمة.
وأخذ المفوض سيدي ولد سيد محمد قضية المسنة "أم الشاب آم" مع أنه وصف قصتها بأنها "الموضوع الرئيس"، قائلا إنه كان في إجازة في شهر ديسمبر 1993، وعندما عاد وجد السيدة العجوز موقوفة مع شاب لدى أفراد الشرطة في المفوضية.
وأضاف ولد سيدي محمد أن المفتش (ش / م) قام بتعريفه عليها، قائلا إنهم "اعتقلوا المدعو بابا انجاي وأثناء استجوابه اعترف بوجود كمية صغيرة من الحشيش أودعها عند هذه السيدة.
وقال المفوض ولد سيد محمد إنه يتذكر أنها "كان يغمي عليها مرتين، وأنها كانت تشرب عن طريق أنفها"، مضيفا أنه يعتقد "أنها كانت مصابة بالصرع".
وأشار المفوض إلى أنه "أثناء تفتيش الشرطة القضائية لمنزل السيدة، عثر عناصر الشرطة على كمية من الحشيش تتراوح بين 30 و40 غ مع مبلغ 300000 أوقية"، متحدثا عن قدوم جميع "سكان انواكشوط" إلى مكتبه لمطالبته بإطلاق سراحها.
وأشار المفوض إلى قدوم شخص يسمى "مامون ولد اتغانا"، حيث ادعى أنه "يطالب بجزء كبير من الملبغ الذي عثر عليه بحوزة السيد، معتبرا أن أحد أتباعه كان أرسل له مبلغا عن طريق السيدة".
وأكد المفوض أنه استدعى المفتش (ش / م) للتحقق من الأمر، حيث أكد أن السيدة قالت إن المبلغ كله لإبنها آم. وقد طلبت منه – يضيف المفوض – أن يتصل بآم، فقال لي إن آم بالسجن، فقمت بإخراجه من السجن وسأله عن المبلغ فأكد له أن المبلغ له، وأعدته بعد ذلك للسجن.
وقال المفوض إنهم قاموا بإحالة السيدة إلى النيابة حسب المحضر رقم 171/93، مردفا أنه طلب من المفتش أن يذكر في المحضر أن المبلغ ثمرة بيع المخدرات، وأن مامون ولد اتغانا لم يقدم ما يثبت ادعائه ملكية المبلغ.
وأشار المفوض ولد سيدي محمد إلى أنه سمع "المفوض با صمب تيرنو يتحدث عن اعتراف أسرة السيدة آم لي بالجميل على مساعدتها، فقلت له كيف يعترفون لي بالجميل وأنا لم أر السيدة إلا مرة واحدة".
تهديد بالتعذيب
وتحدث المفوض عن اللقاء الذي جمعه لأول مرة بكل من المسنة والدة آم، وآم نفسه، قائلا إن هروب بعض المجرمين من السجن، دفعه لاستدعاء "المدعو دامبلي"، مردفا أن هذا الأخير أكد أنه لا يمكنه التعرف على المجرمين الفارين من السجن بدون مساعدة آم، معتبرا أن آم يعرف جميع المجرمين.
وأكد المفوض ولد سيدي محمد أنه استدعى آم ودمبلي وأعطاهما تعليماتها بالبحث عن المجرمين، مهددا بتعذيبهما إذا لم ينفذا المهمة.
آم قال للمحققين إن المفوض ولد سيدي محمد عرض عليه التعاون معه مقابل تغاضي الشرطة عن نشاطاته، معتبرا أن قدم لولد سيدي محمد مبالغ مالية على دفعتين على الأول إحداهما بمبلغ 20 ألف أوقية، والثانية بـ50 ألف أوقية.
كم أطلق سراحهم؟
المفوض تحدث عن تحويل المفوضية التابعة (السبخة) لأكثر من 100 شخص للنيابة العامة، مؤكدا أن أغلبهم من الأجانب، دون أن يتطرق لعدد من أطلق سراحهم، أو لمن تم التلاعب بمحاضرهم لضمان إطلاق سراحهم من طرف القضاء.
وتحدث ولد سيدي محمد عما وصفه بالجهود الكبيرة التي قاموا بها في مجال مكافحة خطر المؤثرات العقلية رغم عدة مساعدة الوسائل، ورغم أنهم "مفوضية للأمن العمومي".
وأشار ولد سيدي محمد إلى أنه لا يباشر التحقيق عادة إلا "في القضايا ذات الأهمية الكبيرة كحوادث القتل أو التحقيقات الخاصة التي تطلبها مني الإدارة العام للأمن الوطني.
"آم" العابث بالأمن والقضاء
وكشفت المستندات أن "آم" الذي ارتبط بعلاقة ولد سيدي محمد خلال إدارته لمفوضية الشرطة في مقاطعة السبخة كان وراء توريط العشرات من رجال الأمن والقضاء، لكن علاقته بولد سيد محمد ظلت لأسابيع طي الكتمان رغم تكشف خيوط القضية في العديد من مجالاتها.
و"آم" لقب لعثمان بيدي المتهم الرئيس في الملف الأكثر إثارة في تاريخ البلاد، وهو الملف رقم: 522 – 96 المتعلق بالمخدرات، وهو رجل مسن، كان يتظاهر بأن لديه "محظرة" لتدريس الأطفال، ويتخذ منها مكانا لتوزيع أنواع من المخدرات من أكثرها توفرا عنده الحشيش الهندي.
وارتبط "آم" من خلال عمله بشبكة واسعة لتوزيع المخدرات في عموم البلاد، كما أقام علاقات وطيدة مع عشرات أفراد الأمن الموريتاني، ووصلت علاقاته أورقة القضاء.
ودأب "آم" باحترافية على تقديم مبالغ مالية لمفوضي الشرطة ولأفرادهم العاديين، فضلا عن خدمات عامة كإصلاح سياراتهم وغير ذلك من الخدمات التي يستغلها أثناء الحاجة إليها في الإفراج عن المرتبطين به، أو تأمين شحنة لما تصل مأمنها من الحشيش الهندي.
ولد سيدي محمد ارتبط بعلاقات مع "آم" أخذت أكثر من مظهر – حسب آم – فقد تمثلت في توفير مبالغ مالية على دفعات، وفي تدخل ولد سيدي محمد لإطلاق سراح والدة "آم" بعد أن ضبطت بحوزتها كميات من المخدرات.
كما ظهرت العلاقة في مساعدة من "آم" لولد سيدي محمد في القبض على بعض المجرمين الذي فروا من السجن أثناء مسؤولية ولد سيدي محمد عنهم.
من التحقيق إلى التوقيف
بداية تكشف خيوط القضية المثيرة اختيرت لجنة تحقيق – كان من ضمن أفرادها المفوض ولد سيدي محمد مدير الأمن السياسي الحالي – وأخذ التحقيقات مسارها الطبيعي قبل أن يفاجأ ولد سيدي محمد باقتحام الشرطة لمنزله واقتياده لمربع الحجز والاعتقال، وتحويله من محقق في الملف إلى متهم فيه.
بقي ولد سيدي محمد والموقوفين معه قرابة عشرة أشهر راء القضبان، قبل أن تبدأ محاكمتهم التي صنفت من أطول المحاكمات في التاريخ الموريتاني.
بدأت جلسات المحكمة يوم 31 مارس 1997 واستمرت جلساتها حتى 14 مايو 1997.
نهاية الملف الأكثر إثارة في تاريخ البلاد بحكم حجم ونوعية وعدد المتهمين فيه، تم طيه في صمت، واستل المتهمون فيه تباعا بعد ذلك، حتى من تمت إدانتهم من طرف القضاء، واستعاد أغلبهم – إن لم يكن كلهم – مناصبهم ورتبهم، قبل أن يستفيدوا من ترقيات في الأعوام التي تلت ذلك.
نقلا عن صحيفة "الأخبار إنفو" الأسبوعية