تخطى الى المحتوى

مقابلة الأخبار مع الوزير المغربي الراحل عبد الله باها

جدول المحتويات

 

كما يتحدث في المقابلة التي تعيد "الأخبار" نشرها عن رؤيته للمغرب العربي، والحديث الذي دار حينها عن تدهور العلاقات الثنائبة بين المغرب وموريتانيا.

 

وهذا نص المقابلة:

 

الأخبار: ما هو انطباعكم عن موريتانيا وأنتم تزورونها لأول مرة؟

الراحل عبد الله باها: صراحة هو إحساس خاص، ملخصه أني لا أحس بالغربة، وهو نفس الإحساس والشعور الذي انتابني في الجزائر لما زرتها بداية العام 2011، وكانت أول زيارة لي إلى الجزائر العاصمة، وكنت أنسى أحيانا أنني في الجزائر، فكأنني في المغرب.

 

ونحن والحمد لله في فضاء واحد، هذا الفضاء الذي يبدأ من هنا من موريتانيا مرورا بالمغرب وبالجزائر وتونس، وحتى ليبيا هو فضاء واحد؛ متشابه في ثقافته وفي عاداته، وبالتالي لا تشعر أنك تنتقل من بيئة إلى بيئة مخالفة.

 

وهذا ما يجعلني أشعر وكأنني في المغرب، وليس لدي أي شعور بالغربة، أو بمغادرة الوطن، بل بالعكس، أشعر أنني بين أخواني، بين مجتمع أعرفه ويعرفني.

 

الأخبار: هذا على المستوى الشعبي، وعلى المستوى الرسمي هناك حديث عن برودة في العلاقة بين المغرب وموريتانيا، وبعضهم يستدل على ذلك برفض الرئيس الموريتاني استقبال السفير المغربي في باريس، وكذلك عدم لقاء وزير الخارجية المغربي لوزير الخارجية الموريتاني الذي شارك أخيرا في مؤتمر أصدقاء سوريا في مراكش؟

 

الراحل عبد الله باها:: نحن نرى أن العلاقات بالجيران لا تكون دائما على وتيرة واحدة، لا بد أن يقع فيها بعض سوء التفاهم في بعض الأحيان، لكن هذا –كما نقول- لا يفسد للود قضية، فنحن لسنا جيرانا فقط، وإنما إخوانا، ولنا مصالح مشتركة بين البلدين، ولنا تداخل في عدد من المجالات، ومثل هذه عادة تكون سحابة صيف وتنقشع إن شاء الله، وتعود الأمور إلى ما كانت عليه، علاقات طيبة، وهذا طبيعي.

 

أنا لا أنزعج كثيرا من هذه الأمور، فأنتم ترون أنه حتى مع إخواننا الجزائريين التي بيننا معهم خلاف ونزاع مفتعل ومزمن منذ فترة طويلة، ومع ذلك نحافظ على علاقات طيبة مع الجزائر، لأن هذا هو واجبنا وهو منطقنا.

 

الأخبار: بشكل محدد، أنتم في حكومة العدالة والتنمية كيف ترون علاقتكم بالحكومة الموريتانية؟

 

الراحل عبد الله باها:: رؤيتنا لعلاقاتنا مع الحكومة الموريتانية، بل علاقاتنا بكل دول المنطقة نرى أنها يجب أن تتوجه نحن اندماج مغاربي يضم المنطقة كلها، وهو في صالح الجميع، وإذا اندمجت هذه المنطقة بطريقة إيجابية، فستشكل قوة اقتصادية كبيرة جدا, وستكون أيضا سوقا للتعاملات سواء فيما بين هذه الدول، وبينها وبين غيرها من الدول.

وأنا أعتقد أنه مهما طال الزمن أو قصر فإننا سنصل إلى اندماج، ونحن متفائلون به.

 

الأخبار: كيف تعلقون على اتهام المغرب بمحاولة اغتيال الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز خلال حادث إطلاق النار الذي تعرض في 13 أكتوبر الماضي؟

 

الراحل عبد الله باها: هذا محض كذب وافتراء، فليس من عادة المغرب ولا من أخلاق المغاربة أن يقوم بمثل هذه الأمور مهما كانت المواقف، ولهذا أنفي هذا الأمر بشكل قاطع، وأؤكد أنه فيما يتعلق بمصادر الخبر كان عليكم أن تتأكدوا أولا حتى تحافظوا على مصداقية ما تنشرون.

 

كما أن عليكم أن لا تقبلوا أن تكونوا سببا في إساءة العلاقات بين موريتانيا والمغرب، بنشر مثل هذه الأخبار الزائفة، والتي يتوخى من قاموا بها نتائج تسيء إلى العلاقات بين البلدين وبين الشعبين الشقيقين والحكومتين.

 

ولهذا يجب أن نعمل جميعا من أجل المحافظة على علاقات الأخوة وحسن الجوار فيما بيننا، وأنتم كإعلاميين مسؤوليتكم ليس فقط أن تنشروا، وإنما مسؤوليتكم أن تنشروا الأخبار الإيجابية، والتي تخدم المصلحة العامة المشتركة بين البلدين، وهذا الخبر ربما يكون تم تسريبه إليكم قصد الإساءة لأطراف متعددة.

 

الأخبار: قضية الصحراء من أكثر مشاكل المنطقة إثارة للاهتمام، والموقف المغربي عرف تطورات خلال الفترة الأخيرة، حيث سحب قبوله بالمبعوث الدولي اكريستوفن روس قبل أن يعيد الاعتراف به، ما هو موقفكم الآن؟ وما آخر تطورات هذا الملف؟

 

الراحل عبد الله باها: الصحراء مغربية، والكل يعلم أنها مغربية، لا الإخوة الجزائريين ولا غيرهم، وحتى المغاربة الموجودين في تيندوف يعلمون أن الصحراء مغربية.

 

وقد حصلت في الماضي ظروف سياسية أدت لإيجاد هذا النزاع، ومن غير المنطقي أن تكون للجزائر صحراء ممتدة، والمغرب يحرم من صحرائه، وهي الدولة التي يصل عمرها في شكلها الحالي إلى 12 قرنا، فهذا بطبيعة الحال لا يستقيم، لكن مع الأسف في الشقيقة الجزائر يتمسكون باستدامة هذا النزاع، ولو توفرت الإرادة لحل هذا المشكل لحل في وقت وجيز.

 

ونحن دائما نطرح تساؤلا عاديا، ويمكن لأي مراقب أن يطرحه، إذا قلنا إن قضية الصحراء تتعلق بالأمم المتحدة، فلماذا إغلاق حدودنا مع الجزائر، لماذا يصر الإخوان الجزائريون على إغلاق الحدود بيننا وبينهم.

 

أحيانا نقول على سبيل النكتة للدبلوماسيين الجزائريين إذا كنتم لا تريدوننا أن نأتيكم، فعلى الأقل افتحوا لنا الحدود لنعبر إلى تونس وإلى ليبيا، كما فعلت برلين الشرقية لتفتح الطريق إلى برلين الغربية.

 

الأخبار: المغرب متهم بأنه هو من يعرقل الحل من خلال رفضه لمقترح تقرير المصير، وتنظيم استفتاء يحدد فيه الصحراويون خيارهم؟

 

الراحل عبد الله باها: تقرير المصير لا يعني الاستفتاء وحده، تقرير المصير يعني أن يكون هناك حل يرضى عنه المعنيون، وهذا ما انتهى إليه قرار مجلس الأمن، حيث لم يعودوا يصرون على تنظيم الاستفتاء لتقرير المصير كما كان مطروحا في السابق، وذلك بسبب تعذر إجراء الاستفتاء.

 

وكما نذكر فجلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله هو الذي طرح هذه الفكرة في مؤتمر نيروبي في العام 1981، ومنذ ذلك الوقت بذلت مجهودات لتطبيق هذا الأمر ولم يتيسر تطبيقه بطريقة سليمة، فالمنتظم الدولي نفسه عدل عن هذه الفكرة إلى إيجاد حل متفاوض عليه، ومتوافق عليه.

 

أما فيما يتعلق بقضية اكريستوفن روس فالمغرب كانت لديه تحفظات على الطريقة التي كانت تسير بها الأمور، ولكن بعد الاتصال الذي تم بين جلالة الملك محمد السادس والأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون لإعادة وضع الأمور في نصابها، تم استقبال المبعوث الأممي بدون أي تحفظات، وقام بمهمته في المغرب بطريقة عادية وسلسة، ولم يكن هناك أي مشكلة، فالمشكلة ليست في شخص المبعوث الأممي، وإنما هي في الطريقة التي يتم بها تناول الملف وإدارته، ولما عادت طريقة التناول إلى الضوابط التي وضعها مجلس الأمن لم تعد لنا مشكلة معها، وكما ذكرت لكم فليس للقضية أي بعد شخصي، ولا ينبغي أن يكون كذلك.

 

الأخبار: معارضتكم في الداخل المغربي وخصوصا حزب الأصالة والمعاصرة يتهمونكم بالتهاون في ملف الصحراء، ويقولون إن حزبكم هو الحزب المغربي الوحيد الذي تم الترحيب به في مخيم "اكديم إزيك" الشهير؟

 

الراحل عبد الله باها: مثل هذه الاتهامات لا آخذه بعين الاعتبار، ولا أرد عليه.

 

الأخبار: تواجهون تصعيدا جديدا من المعارضة البرلمانية ضدكم، وقد واجهتم التصعيد بتصعيد، خصوصا من قبل رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران، هل ترون في التصعيد الجديد وخصوصا من حزب الأصالة والمعاصرة عودة لما تصفونه "بالأحزاب الإدارية"؟

 

الراحل عبد الله باها: لا، لا، نحن نتصور أن المغرب دخل في مرحلة جديدة، وفي ديناميكية جديدة، وهذه الديناميكية تنخرط في ديناميكية عامة يعرفها العالم ككل، وتعرفها المنطقة، وبالتالي أي تراجع ستكون له نتائج كبيرة بالنسبة للمجتمع وبالنسبة للبلد، ولا يمكن للمغرب في الوقت الذي توجد فيه ديناميكية في اتجاه معين، أن يسير في ديناميكية معاكسة ومخالفة.

 

والمشكل الحقيقي هو أن هؤلاء الناس بالغوا كثيرا، بالغوا في التهجم على الحكومة وعلى رئيسها، وتجاوزوا الحدود اللائقة، فكان رد الفعل الذي عرفتموه، ونحن ليست لدينا خصومة ولا عداوة مع أي جهة، فنحن لا نواجه الناس لأشخاصهم، ولكن بناء على أفعالهم وتصرفاتهم، ونواجه فقط هذه التصرفات وهذه الأعمال التي نرى أنها غير صائبة وغير رشيدة.

 

الأخبار: توقعاتكم في التجديد الجزئي لمجلس النواب، هل تتوقعون أن يحافظ حزبكم على تقدمه؟ أم تتخوفون من التراجع؟

 

الراحل عبد الله باها: فيما يتعلق بالانتخابات الجزئية، فقد وقعت انتخابات جزئية سابقة في طنجة، وفي مراكش، وكان الأمر يهم أربعة مقاعد، حصل الحزب على ثلاثة منها، وكان بمثابة اختبار بعد مرور مدة على تنصيب الحكومة.

 

واليوم يجري الاقتراع في دائرة في أنزكان، وهي كذلك ستكون مؤشرا على طريقة سير الأمور، ومهما كانت النتيجة فسنأخذ منها النتائج والعبر التي يجب أن نستخلصها منها.

 

الأخبار: أنتم في حزب العدالة والتنمية كيف تقومون تجربتكم في تولي التدبير الحكومي حتى الآن؟

 

الراحل عبد الله باها: بكل موضوعية، أقول إن تقييم تجربة لما تكمل بعد عامها الأول، حيث تم تنصيبها أواخر يناير الماضي سابق لأوانه، خصوصا وأننا جئنا في إطار ثلاثة انتقالات.

 

فمن جهة هناك الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم، وأثرت عليه، كما أثرت علينا بطبيعة الحال، وهذا هو الانتقال الأول، كيف نواجه الأزمة، فهذا لوحده يشكل استحقاقا كبيرا، إذا نظرنا إلى ما تواجهه بعض الدول في هذا المجال.

 

الانتقال الثاني هو أن المغاربة صوتوا على دستور جديد في يوليو بعد أن اقترحه جلالة الملك، وتنزيل هذا الدستور، والتحول إليه من الدستور القديم سواء من حيث الثقافة، أو من حيث الممارسة، أو من حيث المؤسسات، أو من حيث التشريعات، كل هذا يتطلب مجهودا ووقتا وعملا، وخصوصا أن الدستور الحالي نص على أن القوانين التنظيمية المتعلقة بتطبيق الدستور يجب أن تصدر خلال خمسة أعوام.

 

ثم الانتقال الثالث: وهو يتعلق بحزب العدالة والتنمية نفسه، وهو أنه حزب كان في المعارضة، ولم تكن لنا تجربة سابقة في التدبير الحكومي، وانتقلنا مباشرة من المعارضة إلى رئاسة الحكومة، وهذا ما يجعلنا نحتاج إلى وقت لضبط الأمور، والتعامل معها بطريقة أكثر فعالية.

 

الأخبار: هل بدأتم مبكرا البحث عن مبررات لغياب الإنجازات؟ أم أن هناك فعلا إنجازات قامت بها حكومتكم؟

 

الراحل عبد الله باها: هناك بالفعل إنجازات وهي موجودة، لكن الأهم هو ما يعرف بالإصلاحات الهيكلية الكبرى، وهذه ما زالت تحت الدراسة، وذلك كإصلاح نظام التقاعد، إصلاح نظام المقاصة، إصلاح التعليم، إصلاح العدالة، الإصلاح الضريبي، كل هذه الأمور يجري عليه العمل، ونأمل أن تتم لها معالجات خلال العام القادم 2013، وذلك بالبدء في تنزيلها على الواقع.

 

الأخبار: لوحظ غياب تعزية رسمية من الحكومة في مرشد جماعة العدل والإحسان الشيخ عبد السلام ياسين، هل تغير موقفكم من هذه الجماعة بعد تولي الحكومة؟

 

الراحل عبد الله باها: جماعة العدل والإحسان اختارت اختيارا، وهذا الاختيار له تبعات، فالإخوان في العدل والإحسان لا يخفون أنهم لا يعترفون بإمارة المؤمنين، وإمارة المؤمنين مرتكز أساسي من مرتكزات الدولة المغربية، ولا يمكنك أن تختار هذا الاختيار ثم تتوقع التعامل معك بطريقة عادية، أعتقد أن منطق الأشياء يفرض هذا، لأن الدستور المغربي ينص على هذا، سواء الدستور القديم أو الدستور الجديد، وأول الخطوات لتطبيع الأوضاع هو الاعتراف بالدستور، وإذا لم يتم الاعتراف بالدستور، بمضامينه ومقتضياته فإن هذا سيضع عوائق أمام تطبيع وضعية أي جماعة أو مجموعة.

 

الأخبار: وضعية العدل والإحسان الدستورية أو القانونية هل تؤثر على علاقتكم بها في حزب العدالة والتنمية وفي حركة التوحيد والإصلاح؟

 

الراحل عبد الله باها: لا، الدستور يتعلق بعلاقتها مع الدولة، وبالنسبة لعلاقاتنا معهم فهي لم تتغير، وهي علاقة تحكمها معطيات قائمة منذ عقود، فهناك اختلاف بيننا وبينهم في فهم الدين وفي فهم الواقع، وهذا شيء يعرفونه، ونحن أيضا نعرفه، وليس جديدا، ولا أدل على ذلك من الرسالة التي أرسلها الأستاذ عبد الله الشيباني، وهي رسالة مفتوحة إلى رئيس الحكومة الأستاذ عبد الإله بن كيران، منذ أسابيع.

 

نحن نشتغل في إطار الوضوح والشفافية، وفي إطار أن المواقع كلها معروفة، والمواقف أيضا.

 

الأخبار: من أكثر ملفات المنطقة اليوم التهابا ملف الشمال المالي، كيف تنظرون في الحكومة المغربية إلى هذا الملف، وهل تؤيدون الحوار لحل المشكل؟ أم تقفون مع التدخل العسكري؟

 

الراحل عبد الله باها: نحن مع الحوار أولا، لأنه ما دام باستطاعتنا أن نحل المشاكل بالحوار فهذا أفضل، أو على الأقل يتم عزل الجماعات التي تتبنى العنف والإرهاب، ولكن إذا لم ينجح الحوار في هذا لا بد من التفكير في وسائل أخرى وطرق أخرى لمعالجة المشكل، يعني أنه إذا لم يعالج هذا المشكل بطريقة صحيحة فإنه سيكبر مع الزمن، وسيصبح بؤرة عدم استقرار للمنطقة كلها، وهذا سيشكل خطرا، ليس على هذه المنطقة وحدها وإنما على الجهة كلها.

 

ولهذا تجد اليوم الاهتمام الكبير من العالم كله بهذا المشكل الموجود في شمال مالي، ولا بد أن تتضافر جهود دول الجوار أولا، لأنها الأعرف بالمنطقة وأوضاعها، فلا من بد تضافر جهودها لتسوية هذا الوضع ورد الأمور إلى نصابها، حتى لا تتفاقم الأمور.

 

والله أعلم.     

 

الأحدث