تخطى الى المحتوى

جدول المحتويات


أجذب الفضفاضة البيضاء نحوي، وقد تلونت حافتها السفلى بالغبار، ألمح أحذيتي المنزوية،ف أتذكر حكمة قالها صديقي،أن أحذية الأساتذة "دائما تشيخ بسرعة"، أمسك زجاجة العطر، أرشها بغزارة حتى يلوذ "بوجعران" كان يشاركني الفراش بالفرار.


أمضي قدما، بخطوات منتظمة، ومعنويات ترتفع قليلاً،عن مستوى سطح الإحباط، وأنا أردد في صوت خافت:
مع مراسيل خليفة، منتصب القامة أمشي، مرفوع الهامة أمشي، رغم أنف، الأحلام الوردية والظروف، أحدث نفسي، هل أنا حقا مواطن صالح!!
 

والساعة تشير، إلى الثامنة والربع، لقد تأخرت، والتلاميذ ربما يتضرعون إلى الله، أن يسقط المطر، لتبتل أجنحة وزارة التعليم، وهي ترقص بنشوة، تحت أشجار الأماني!!
 

هل أنا موظف صالح؟ أم أنني مجرد ظاهرة صوتية، تتشدق بالقيم والأخلاق، وتتصنع المثل، ريثما تجد فتحة صغيرة، تعبر منها نحو حدائق الفساد الخضراء لأدوس بعدها على الضمير بكل قسوة، كما فعل الكثير من "النبلاء" وهم يتسلقون جبال المصالح، ويبدلون جلودهم، في هذا الوطن المشمس والمغبر!!
 

في نهاية المنحدر الرملي يبدو باب الثانوية مشرعاً كعادته وقد جثا الحائط الغربي على ركبتيه، من التعب، والعلم الوطني يرفرف بحماس، كأنه يستفز أطلال الحامية التي بناها المستعمر 1927 والقريبة من هنا.


زرقة السماء، ورحابة الأفق، وأشجار الوادي، كلها أشياء تعيد بوصلة الروح المضطربة، إلى جادة السكينة، التي سرعان ما تغض مضجعها، سبورة سوداء، وأربعة جدران، تكتظ بالضجيج الخافت، الذي يتلاشي تدريجيا، كصوت سيارة مغادرة، ويعاود الكرًّة، بشكل متقطع، كأصوات المشجعين، تبرز الوجوه، من فوق الطاولات، كالسنابل في الحقول.


وأمسك أنا "الطبشور"، بعد مقدمة طللية، عن الدرس السابق، تثير الأشجان غالبا، في نفسي!


ليبدأ المزج، بين رياضة رفع الأثقال، ونحت الحجارة، وإزاحة الرمال، والتنقيب عن المعادن!!


فعلي أن أتقمص، حركية شرطي المرور، وحكمة علماء النفس، ولباقة عمال الفنادق، وصرامة العسكر، ويقظة مهربي المخدرات، وحذر من يسيرون، في أرض ملغمة، وخفة دم الكوميدي البريطاني"Mr bean"، ودبلوماسية السفراء، وذكاء منتجي برامج الإعلانات!
فوسط رتابة المناهج، التي لا تشعر بحركة الزمن!!


ونحن في زمن تقنية "النانو"، والخلايا الجذعية، وشاشات اللمس، والوسائط الألكترونية، حتى أهل البادية هجروا شريط 90، إلى بطاقة الذاكرة!!


والتعليم في موريتانيا: لا يزال، سبورة سوداء، وطبشور، ومناهج أثرية، كما هو منذ عقود خلت!!


لماذا أجيال الستينات والثمانينات، كان تعليمها جيداً، لأن التعليم ساعتها، كان يلائم بأسلوبه حاضرها، بينما التعليم اليوم، يتخبط في الإصلاحات العشوائية، بأساليب أكل عليها الدهر وشرب، وسط طاقم يلهث خلف بهرج الثراء، أو بعبارة أخرى، يكافح من أجل البقاء!!


بكل صراحة، التعليم فاشل، والدليل، أنه أكتتب أستاذاً فاشلا مثلي، في نهاية الحصة، يجلس في الطاولة الخلفية، لا يزال يشعر أنه تلميذ، ولم يصدق بعد أنه أستاذ، ولا يريد أن يصدق أنه مواطن صالح!!!


7 و 59 دقيقة بتوقيت تامشكط والخميس لي حتى لا يقول لي أحدهم "أنت ترديت"..

 

 

 

الأحدث