تخطى الى المحتوى

موريتانيا: من الهامش إلى شريك صاعد في التحول الطاقوي

جدول المحتويات

عرض تمهيدي:

 

تتبوأ موريتانيا موقعًا استراتيجيًا في سياسات العالم في مجالي الطاقة والتعدين. وفي ظل السعي الدولي المتسارع نحو تحول طاقوي آمن، تراهن موريتانيا على استغلال مواردها الطبيعية الكبيرة من الغاز والمعادن والطاقات النظيفة كالشمس والرياح. وهي في طريقها لتصبح فاعلًا محوريًا في المشهد العالمي للطاقة.

 

يهدف هذا المقال إلى رصد ملامح تجربةٍ استثنائية في القيادة، مكنت من تحديد رؤى طموحة للوطن تحوّلت إلى مشاريع تنموية، تحت قيادة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، ورئيس الاتحاد الإفريقي لعام 2024. ونستهل هذا المقال باستعراض معالم هذه التجربة القيادية في مجال الطاقة تحديدا، وما حَفَلت به من تحديات وتحوّلات بنيوية سواء على المستوى الوطني أو القاري. إنها دعوة للتأمل في مسار زعيم آمن بوطنه ومواطنيه، وقدم أحسن مثل على أن الإصلاح البنيوي لا يحتاج إلى ضجيج، بل إلى رؤية وخطة تنفذ بحكمة وتبصر وثبات.

 

كيف طورت موريتانيا رؤيتها الطاقوية ووضعت نفسها على الرادارات الدولية للاستثمار ؟

 

في ظرف زمني وجيز، استطاعت موريتانيا أن تتحوّل من بلد هامشي في معادلات الطاقة إلى لاعب صاعد يجذب اهتمام مراكز صنع القرار وشركات الاستثمار الكبرى. وشكلت دعوة الولايات المتحدة الامريكية لموريتانيا إلى قمة واشنطن حول المعادن الاستراتيجية مؤشرا جليا على الدور المحوري الطاقوي الصاعد لموريتانيا.

 

وانطلاقا من قناعة راسخة بضرورة التحول من اقتصاد ريعي محدود إلى اقتصاد متنوع ومستدام، قائم على الاستغلال الأمثل لموارد الغاز والطاقات المتجددة والتوجه نحو تطوير شعبة الهيدروجين الأخضر، انبثقت الرؤية الطاقوية لموريتانيا منذ بداية سنة 2022.

 

ووضعت الحكومة إطارًا استراتيجيًا شفافًا يجمع بين التحفيز الاستثماري والحوكمة الجيدة والمردودية الاجتماعية والاقتصادية، ما جعل من موريتانيا شريكًا موثوقًا في أعين الفاعلين الدوليين. وتوّج هذا المسار بحضور لافت في المنتديات الدولية للطاقة والمعادن والمناخ، وعُرضت مشاريع موريتانيا ضمن أبرز قصص النجاح الواعدة وصنفت كبريات الهيئات البحثية ومؤسسات الطاقة كالوكالة الدولية للطاقة ودور الخبرة كماكنزي موريتانيا ضمن أحسن الدول تنافسية من حيث المقدرات إضافة إلى ما تنعم به من استقرار سياسي وثبات مؤسسي.

 

وهكذا، لم تعد موريتانيا على الهامش، بل أصبحت مرتكزا جديدا في مشهد التحول الطاقوي العالمي.

 

ولإلقاء نظرة سريعة بلغة فنية على ما تحقق خلال السنوات القليلة الماضية، سأركز بشكل خاص على مجالات الطاقة والغاز والهيدروجين الأخضر والتحول الطاقوي، وسأعرض نماذج مضيئة من المشاركات الدولية البارزة لبلادنا.

 

ففي مجال التحول الطاقوي والطاقة المتجددة، حققنا سنة 2024 هدف الـ 50% من الطاقة النظيفة وهو الهدف الذي كان مرسوما لأفق 2030 بعد أن تم تبني رؤية استراتيجية لتحول طاقوي شامل تهدف إلى رفع نسبة الطاقات المتجددة في المزيج الطاقوي الوطني. كما تم تبنّي إطار قانوني وتنظيمي جديد لتشجيع الاستثمارات في الطاقات النظيفة (الشمسية، الرياح، الهيدروجين الأخضر). ونجحت بلادنا في تشغيل محطة بولنوار الهوائية بقدرة 100 ميغاوات بعد أن عانت من معوقات مالية وفنية كبيرة. وبخصوص الكهرباء والولوج إليها تمكنت بلادنا من رفع نسبة الولوج من 42 % سنة 2019 إلى 56% سنة 2024 كما ارتفع عدد المشتركين من 282000 مشترك سنة 2019 إلى 410000 مشترك سنة 2024. وفي نفس السياق، تمكنا من كهربة أكثر من 322 قرية خلال السنوات الأخيرة. وتم ربط المناطق الزراعية الغنية بالكهرباء على طول ولايتي ترارزة ولبراكنة.

 

وفيما يخص الإنتاج، فقد تعززت القدرة الإنتاجية باكتمال تشغيل محطة بولنوار وإدخالها في الخدمة وكذلك توسعة محطات العديد من المدن الداخلية خاصة عبر مشروع 50 مدينة مما مكن من تقوية القدرة الإنتاجية الاجمالية التي انتقلت من  330 ميغاوات سنة 2019  إلى 525 ميغاوات سنة 2024.

 

وفي مجال النقل الكهربائي، تم بناء وتشغيل ثلاثة خطوط كهربائية عالية الجهد بين انواكشوط وانواذيبو وبين انواكشوط وكرمسين وداخل مدينة انواكشوط. وستشهد السنة المقبلة حدثا بارزا حيث سينطلق تشغيل الخط الكهربائي عال الجهد المتجه من نواكشوط نحو الأقطاب المعدنية في الشمال مرورا باكجوجت وأطار وصولا إلى مدينة زويرات.

 

وبغرض الرفع من أداء المؤسسات، تمت إعادة هيكلة شركة صوملك بعد أن تقرر تقسيمها إلى شركة أم وثلاثة شركات فرعية متخصصة من أجل تحسين أداء القطاع في الوقت الذي تمت المصادقة فيه سنة 2021 على مدونة كهربائية محفزة جديدة تفتح الباب واسعا أمام القطاع الخاص للاستثمار في الطاقة.

 

وبالمحصلة، ستتضاعف قدراتنا الإنتاجية من الكهرباء بفضل إضافة:

  • 60  ميغاوات قيد البناء حاليا على طريق نواذيبو
  • 60  ميغاوات من الطاقة المتجددة قيد التوقيع
  • 230  ميغاوات قرب ندياگو
  • و300 ميغاوات سيتيحها استغلال حقل بندا الذي سيتم اتخاذ قرار الاستثمار بشأنه في السنة القادمة.

 

وعلى مستوى العاصمة نواكشوط، أطلقت الحكومة مكونة الكهرباء من الخطة الاستعجالية لتنمية المدينة بغلاف يبلغ 5 مليار و261 مليون أوقية قديمة ومكنت الخطة حتى الآن من تعزيز شبكات التوزيع في العاصمة ونشر الإنارة العمومية وستفضي الى تعميم الخدمة وتحسين جودتها والحد من الاضطرابات.

 

وبالنسبة للغاز الطبيعي، فقد نجحت بلادنا في الانضمام الى النادي الضيق للدول المنتجة للغاز عبر تصدير شحنات الغاز من حقل السلحفاة آحميم الكبير. ويجري العمل على ترويج حقل بير الله الغازي، أحد أضخم الحقول غير المستغلة حتى الآن في إفريقيا. وستكون لهذا القطاع الواعد العديد من الآثار الاقتصادية مثل الرفع من مستوى الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير ابتداءً من السنة الجارية إضافة لتوفير مئات فرص العمل المباشرة وغير المباشرة في قطاع الطاقة.

 

ويجسد الهيدروجين الأخضر طموح المستقبل الذي بدأت ملامحه في التشكل حيث تمكنت موريتانيا من توقيع شراكات مع شركات عالمية كبرى مثل CWP Global  وChariot Energy بهدف تطوير مشاريع واعدة لتموين أسواق الطاقة العالمية بالطاقة النظيفة عبر إنتاج وتصدير الهيدروجين ومادة الامونيا الخضراء. كما تم إنشاء أول إطار قانوني وتنظيمي لتأطير استغلال الهيدروجين الأخضر في موريتانيا تمثل في المصادقة على مدونة الهيدروجين.

 

وتزامنت هذه الجهود مع حضور دولي بارز لفخامة رئيس الجمهورية ومشاركة دولية فاعلة في معظم المحافل العالمية كما وظفت موريتانيا رئاسة فخامة رئيس الجمهورية لافريقيا خلال 2024 لدعم قضايا الطاقة والمناخ عبر محطات بارزة نذكر منها : قمة الأمم المتحدة للمناخ COP28 في دبي (2023) ومنتدى باريس من أجل كوكب عادل، حيث دافعت موريتانيا عن تمويل منصف للانتقال الطاقوي في إفريقيا وقمة إفريقيا حول الطاقة بدار السلام بتنزانيا ومنتدى “الهيدروجين الأخضر في إفريقيا” وقمة نيروبي للمناخ.

 

ومكن هذا الحضور الدولي القوي والتمثيل رفيع المستوى من حبك شراكات دولية استراتيجية سمحت بجذب اهتمام شركات أوروبية وخليجية كبرى للاستثمار في البنية التحتية الطاقوية وعززت التعاون مع دول شقيقة وصديقة مثل الإمارات، ألمانيا، فرنسا، الصين، بريطانيا، ودول الجوار في مجالات الطاقة والكهرباء والتدريب المهني.

 

الخلاصة:

 

شكّلت سنوات حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني نقطة تحول في مسار التحول الطاقوي والاقتصادي لموريتانيا، من خلال الجمع بين استغلال الموارد الغازية بطريقة مسؤولة، والانفتاح الجريء على الطاقات المتجددة والهيدروجين، والمشاركة المؤثرة في صياغة الرؤية الإفريقية والعالمية لمستقبل الطاقة. وبفضل هذه العوامل مجتمعة، تبرز موريتانيا اليوم كوطن ينعم بالاستقرار والتنوع الاقتصادي ويتطلع بثبات نحو لعب دور طاقوي مستقبلي صاعد.

الأحدث