جدول المحتويات
أننا نثمن الحوار ونشجعه من قبل الدولة ونؤيده فهو الوسيلة المثلى الناجعة لإنهاء هذه الأزمة وحلها والتجارب فيها مشجعة، وتغنينا تجربتنا في موريتانيا عن النظر إلى غيرنا فقد سجلت نجاحا كبيرا ومع هذا لم نرى من السلطات تكريسا لنتائجه واستثمارا لتجربته وجعله معيارًا للفيصلة في حل هذه المسائل الشائكة واتخاذ هذا الجزء من المقاربة الموريتانية الحل الأول والأنجع لإنهاء هذه المشاكل التي مرجعها إلى الفكر والذي لا ينفع فيه إلا فكر مثله، فكلاهما من عالم المعنويات، والمعنويات إذا حلت بالماديات المحضة والمجردة من غير رجوع إلى مستندات روحية وركائز معنوية أحدثت شرا وفسادا عظيما ولقد أدرك العلماء في هذا البلد هذا الأمر كما ظهرت جليته في الحوار الأول.
والحل المعلوم من الحقائق الشرعية أن الله لا يذهب الخبيث بالخبيث وإنما يذهب الخبيث بالطيب {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم}.
والمعلوم من الحقائق الدنيوية وتجارب الأمم والعقلاء أنه لا ينبغي للدول أن تقايس عقلها الجمعي وشخصيتها المعنوية وتجربتها التراكمية بعقول الجماعات فضلا عن الأفراد في انفعالاتهم وردود أفعالهم، بل ينبغي لها أن تتشبه بالأم في عالم الأفراد من جهة معالجتها لمشاكل أبنائها ورعايتهم، فالضعيف والناقص والمريض تصب عليه بالغ العطف وصادق الحنان وتكمل نقصه وتعالجه بالدواء الناجع ما أمكن ذلك.
وهذه المشكلة وحدة البناء فيها الفكرة ثم العزيمة ثم الفعل وردة الفعل ثم الدماء والقتل والأسر والإعاقة وتوريط من لا ناقة له فيها ولا جمل بالقلق على ذويه وبعده عن بنيه والأواصر التي تؤويه، فالذهاب إلى علاج الفعل وردة الفعل من علاج الأعراض مع قيام المقتضي وانتفاء المانع، والفعل وردة الفعل ونتائجها لا يقضي على البذرة التي ولدت الفعل وأنتجته وأخرجته إلى حيّز الوجود بل الفكرة علاجها من جنسها لتستبدل بخير منها فتنتج فعلا وردة فعل خيرٍ منها للإسلام والمسلمين في هذا القطر ولا يكون ذلك إلا بالحوار البناء الذي يقضي على سلبيات الحوار السابق والتي هي:
1- الجدية في بدايته بإنفاذ مقرراته ثم التوقف عن ذلك بعدم إطلاق سراح كثيرين ممن شارك فيه واقتنع به فبعضهم أنهى محكوميته وأفرج عنه والقسم الآخر لا زال حبيسا ينتظر الفرج.
2- إطلاق سراح من لم يكن مقتنعا به وفق معايير غامضة أفضت إلى رجوعه إلى بؤر الصراع.
3- إيصال رسالة مفادها أن من تبقى من السجناء هو من لم يقبل الحوار أو من لم تتقبل السلطة منه الحوار نظرا لأنه حكم عليه بالإعدام.
4- عدم التجاوب مع طلب تجديد الحوار رغم توالي الرسائل الداعية إلى ذلك والتي وصلت في مجملها إلى بضعة عشر جهة رسمية كلها تطالب بتجديد الحوار وتحض عليه وتبدي الاستعداد له من قبل أصحاب تلك الرسائل بصفة فردية وجماعية وهذه السطور امتداد لتكلك المساعي والجهود ولا ننسى هنا أن نثمن للسادة العلماء والقائمين على المعهد الموريتاني للدراسات الإستراتيجية طرح هذا الموضوع للنقاش على طاولة البحث عبر خيرة العقول المتاحة في هذا البلد وغيره من كافة المشارب الفكرية والفعاليات الرسمية والأطر الإدارية وأساطين الفكر وأرباب الأقلام وكبار الأساتذة وأكابر العلماء ونخبة المتنفذين وهذا من السعي الجاد لإصلاح حال البلاد عبر الرأي السديد والفكر الرشيد وإشاعة السلم والتراحم.
وهذه الرسالة مساهمة من هذه المجموعة من السلفيين للمطالبة بإطلاق نسخة جديدة للحوار ليستفيد منه السجناء المستعدون له ويعود بالنفع على البلد وساكنته وننبه على أن حل هذه المشكلة ينبغي أن يكون شاملا فلا يستثنى منه أهل الإعدام بل أن يشارك من أراد المشاركة ويحل الأمر بحنكة الساسة وحكمة العلماء وسداد الرأي من المفكرين من خلال عظمة الشريعة فالعلماء عليهم بطرح الحلول الشرعية لهذه المعضلة والسلطة عليها أن تتسامى فوق شخصنة الموضوع بل تنظر إلى المصالح الكلية والأمان الاجتماعي والمصالحة الحقيقية والمتاركة الفعلية والقطيعة بين الماضي والحاضر وقطع السبل على كل ما يوغر الصدور ويذكي الثارات ولا يزيد الأزمة إلا أوارا ولا المشكلة إلا استعارا والمعهد والحكماء المشاركون فيه لديهم من سداد الرأي وخالص الحكمة ما يحل هذه الأزمة بحول الله مع التنبيه على عدم إغفال الضمانات الفعلية المطمئنة لجميع أطراف الحوار والمقترحة على الدولة والعلماء والسجناء، فنحن من طرفنا ملزمون بتلك الضمانات ملتزمون ما دامت بيد العلماء ولا نطيل فالأمل في الله كبير وإليه نشير ونعلن استعدادنا للحوار وقبول نتائجه والالتزام بخطه ولزوم المواثيق إن وثقت وضمنت بضمانات مقبولة مرضية نسأل الله التوفيق لمن حضر وناقش ونافح بلسانه وقلمه متحريا الحق والصدق ومرضاة المولى والنصح للأمة جمعى.
والله ولي التوفيق
الناطق باسم المنادين بالحوار من السلفيين: التقي ولد يوسف
نص الرسالة الثانية:
بسم الله الرحمن الرحيم
الجمهورية الإسلامية الموريتانية
وزارة العدل
إدارة السجون والشؤون الجنائية
الموضوع: رسالة موجهة إلى الندوة الدولية المنعقدة بانواكشوط
تحت إشراف المعهد الموريتاني للدراسات الإستراتيجية حول أهمية الحوار و النقاش الفكري لمعالجة الاختلالات الأمنية واعتماد التجربة الموريتانية نموذجا مقدمة من طرف مجموعة من سجناء التيار السلفي في السجن المركزي بانواكشوط بواسطة مدير السجون وعبر السلم الإداري.
يقدمها عن المجموعة الناطق الرسمي باسمها السجين التقي ولد يوسف.
نص الرسالة.
الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام علي نبينا محمد الصادق الوعد الأمين وعلي آله وصحابته أجمعين وتابعيهم بإحسان إلي يوم الدين.
أما بعد،
فإلى السادة الكرام من العلماء الفضلاء والأساتذة الأجلاء وجميع الحضور من المشاركين في الندوة الدولية المنعقدة بانواكشوط حول الحوار والنقاش الفكري.
لا شك أن من المعلوم عند عموم العقلاء وأهل الرأي أن طريق الحوار والنقاش الفكري والشرعي من أهم السبل وأكثرها نجاعة لمعالجة المشكلات الشائكة وتوصيف الحلول المثلي ورسم السياسات الرشيدة بما يمكن المجتمعات الإسلامية من تجاوز الأزمات المعقدة والتطورات الخطيرة التي أصبحت تهدد كيانها وتدفع بكثير من البلدان الإسلامية إلي حافة الانهيار وانفراط عقدها الاجتماعي والسياسي فضلا عن ما آلت إليه أوضاعها الاقتصادية من ترد وغياب للأمن بشكل غير مسبوق حتى أضحت بعض البلدان الإسلامية بكل أسف عالة علي غيرها من البلدان الأخرى من أجل إيواء شعوبها رغم أنها لا تعاني من نقص في الموارد ولا في البنى التحتية أو الكادر البشري فكل ما تعانيه هذه البلدان هو غياب لغة الحوار والتفاهم على المصالح العليا وعدم الالتزام بالأوامر الشرعية القاضية بضرورة نبذ الفرقة بين المسلمين والاعتصام بحبل الله وجماعة المسلمين.
السادة العلماء والحضور الكريم:
لقد من الله سبحانه و تعالى على بلادنا و جنبها كثيرا من المشكلات التي مرت بها بعض البلدان الأخرى.
ونحن إذ نسأل الله سبحانه و تعالى أن يمن علينا وعلى جميع بلدان المسلمين بالأمن والأمان والسكينة والاطمئنان، فإننا نحمده سبحانه على هذه النعمة ثم نشكر تلك الجهود التي قامت بها الدولة بكافة أجهزتها وفقا لتوجيهات القيادة العليا الداعمة لهذه السياسة.
كما نشكر كذلك السادة العلماء ممن ساهموا في تطوير سياسة الحوار وأوضحوا في كل المناسبات أهميته و سهروا بكل إخلاص على تبيين النصوص الشرعية مما كان له بالغ الأثر في تسديد رؤية الشباب من التيار السلفي في السجون وغيرها وقد ترتب على ذلك مكرمة العفو الرئاسي في خريف 2010 وما تلا ذلك من إعانات لبعضهم بهدف دمجهم في الحياة النشطة ومعالجة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية التي تسهم في تخفيف الاحتقان والتوترات.
السادة العلماء أيها الحضور الكريم،
إن هذه المجموعة من سجناء التيار السلفي ترى أن تقديم رأي العلماء والإقتداء بهم يعد واجبا شرعيا حث عليه القرآن الكريم في أكثر من موضع وحكاه بصيغة الأمر المقتضية الوجوب على قول أكثر أهل العلم كما عقد ذلك صاحب المراقي بقوله:
وافعل لدى الأكثر للوجوب *** وقيل للندب أو المطلوب
والحق سبحانه و تعالى يقول في محكم الكتاب {فاسألواْ أهل الذكر إن كُنتُم لا تعلمون} ويقول جل من قائل {يا أيها الذين آمنوا أَطِيعُوا الله وأَطِيعُوا الرسول وأولي الأمر منكم} ويقول أيضا {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} صدق الله العظيم.
وإن هذه المجموعة التزاما منها بالأمر الرباني وانطلاقا من الضروريات المعرفية والشرعية تعتبر نفسها ملزمة بكل ما يقرره السادة العلماء المشاركون في هذه الندوة وفي غيرها من الفعاليات الرامية إلى إرساء السلم والأمن وإشاعة لغة الحوار والتفاهم ونبذ لغة العنف ودواعيها.
ونريد بناء على ذلك إشراك السادة العلماء وغيرهم من أهل الفكر والرأي في بعض المسائل المطروحة في قضية الحوار مع سجناء التيار السلفي سواء في ذلك الحوار الذي حصل وتمت الإشارة إليه سابقا أو في ما هو مزمع من الحوارات والنقاشات التي نرى ضرورة تسريعها وتفعيلها مع تثميننا لكل المنجزات التي حصلت في السابق ونود تقديم ذلك على شكل نقاط متتالية:
أولا: إن الاستجابة للحوار والدعوة له مطلب أساسي لأصحاب هذه العريضة وهم على ذلك الأساس مستعدون له في كل وقت ويرون أن هناك ضرورة ملحة وأهمية كبيرة ليكون حوارا شاملا وبناء وهادفا إلى تقديم رؤية متكاملة لكل المشاكل المطروحة بما في ذلك مسألة من صدرت في حقهم أحكام بالإعدام على خلفية أعمال معينة منسوبة إليهم وستكون هناك قضية فقهية حول مسألة القصد الجنائي وغيابه حيث أن كل من تنسب إليهم هذه الأعمال إنما كانت بتوجيهات ممن تحلوا بصفة الآمر الذي يعتبر على قول المذاهب الثلاثة هو صاحب المسؤولية كما جاء في بداية المجتهد للعلامة ابن رشد ويمكن تخريج المذهب الرابع باعتبارات متعلقة بالمصلحة العامة ومقتضياتها، وما تستدعيه لغة الحوار والمصالحة من تخفيف ومراعاة للجوانب الإنسانية.
ثانيا: هناك بعض الأشخاص ممن شاركوا في الحوار السابق والتزموا بكل نتائجه وتوجيهات السادة العلماء سوى أن بعضهم لا يزال في السجن لحد الساعة والبعض منهم خرجوا لكن بعد إكمالهم لمدة الحبس المقررة دون أن ينال أيا منهم تخفيفا أو دعما على مثال ما حصل مع نظرائهم رغم التزامهم التام بالحوار بما تشهد به السلطات القائمة على السجن خلال السنوات الماضية ونحن بهذا الصدد لسنا معترضين على ما حصل ولكننا نود إشراك هذه المسألة في البحث وتخريجها على ما تقتضيه المصلحة العامة ونتائج الحوار.
ثالثا: من الأمور التي نعتبرها ذات أهمية مسألة الشكل الإجرائي لعملية الحوار والتفاهمات المرتقبة.
فإن هذه المجموعة مع إعادة تأكيدها على ثقتها التامة في كل ما يقدمه السادة العلماء إلا أننا نرى مع ذلك ضرورة لقيام سلطات البلاد بتخويل السادة العلماء بعض الضمانات التي يتطلبها أحيانا موقف الأطراف المشاركة في الحوار لتكون النتائج المرتقبة أكثر جدية وشمولا وهذه المجموعة تؤكد استعدادها لذلك في كل الأحوال.
رابعا: إن مما لا يخفى على الجميع أن الدعم والتأطير للسجناء المستفيدين من نتائج الحوار، كان له بالغ الأثر في تخفيف الكثير من الاحتقان ونحن من هذا المنطلق نجد أن من أهم المسائل المطروحة للحوار هي توسعة الدعم المادي والتأطير للشباب وزيادة الحصص الإعلامية التي تهدف إلى إشاعة معاني الأخوة والتراحم بين جميع مكونات الشعب والأمة ويمكن لأصحاب الرأي والفكر تقديم المقترحات لهذه المسألة.
وفي الأخير نتوجه بالشكر والعرفان إلى القائمين على هذه الندوة والمنظمين لها ونتمنى لهم كل خير وسعادة ونرجوا من الله العلي القدير أن تكون هذه الأعمال في ميزان حسناتهم وأن يعم الأمن والسلام كافة بلدان العالم الإسلامي.
حرر بالسجن المركزي بانواكشوط.