جدول المحتويات
مقدمة
تعتبر خاي أول منطقة إدارية في مالي، تم إنشاؤها بموجب القانون رقم: 60 – 3 -أ. ل. ر. س بتاريخ: 7 يونيو 1960، وتحتل موقعا استراتيجيا على الصعيدين الجغرافي والسوسياسي.
وتقع هذه المدينة في أقصى غرب البلاد، تحدها السنغال من الغرب، وموريتانيا من الشمال، وغينيا من الجنوب ومنطقة كوليكورو من الشرق.
وتظل هذه المنطقة مركزا اقتصاديا استراتيجيا فهي ثاني أكبر مساهم في الناتج المحلي الإجمالي المالي بعد بامكو. وتمثل خاي أيضا نقطة تقاطع ثقافية وهجرية في المنطقة الصحراوية وفي غرب إفريقيا.
إن هذا الموقع الاستراتيجي، المدعم بالقرب من الدول المجاورة والدور في ديناميات الهجرة عبر الحدود، يجعل منها منطقة رئيسية لاستقرار مالي والأمن في المنطقة غرب الإفريقية.
ومع ذلك، فإن هذا الوضع يعرض خاي أيضا لتحديات معقدة تتسم بنزعات هيكلية وظرفية، تهدد التماسك الاجتماعي والأمن. وترتبط هذه الديناميات النزاعية في منطقة خاي بعوامل تاريخية واجتماعية واقتصادية، تتزايد بفعل التطورات المعاصرة السريعة. ومن بين النزاعات الهيكلية، تحتل النزاعات المتعلقة بالعبودية من خلال النسب مكانة مركزية، وخاصة في بلديات مثل أوسوبيديانغا.
إن التوترات المتكررة التي تعارض “اللامبي Lambé” الذين يعتبرون نبلاء، ويفترض أنهم أول من أسس المنطقة، مع تجمع “البدون” أوراق “CSP”، تكشف عن انقسام اجتماعي متوارث.
وتظهر هذه النزاعات التي تتسم أحيانا بالمواجهات، مصادرة الأراضي، وميولا للاحتجاز، واستخدام الأسلحة، استمرار ووزن الهيكليات الاجتماعية الصارمة، وتأثيرها السلبي على السلام والتماسك المجتمعي.
وعلاوة على ذلك، تتفاقم النزاعات بين المزارعين والرعاة، والتي تتكرر خلال موسم الأمطار بسبب الضغط السكاني، والتنقل الموسمي، وزيادة المنافسة على الموارد الطبيعية، بما في ذلك الأراضي الزراعية والرعوية.
وتتعقد هذه الديناميات بسبب عوامل ظرفية، مثل التوسع التدريجي لعدم الأمن في شمال ووسط مالي نحو الجنوب، حيث يمكن أن تستغل الجماعة الإرهابية (جماعة نصرة الإسلام والمسلمين) الإحباطات المحلية للتجنيد محليا وزيادة التوترات.
وتمارس الثقافة التقليدية القديمة، والتي أثرت عليها اليوم التأثيرات الحديثة، خاصة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، والتجمعات المنحدرة من الشتات.
في هذه المذكرة، نحلل الطريقة التي تتبعها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين لإضعاف منطقة ظلت لفترة طويلة خارج نطاق اهتمامها، من خلال القيام بنوع من “الجهاد” الاقتصادي، عبر استهداف المحاور اللوجستية الحيوية، وإرادتها المعلنة في فرض حصار تعزيز السيطرة على التدفقات الاقتصادية.
وسنتوقف مع استراتيجية جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، القائمة على عملية زعزعة الاستقرار التدريجي، والهجوم على المصالح الاقتصادية الأجنبية. وسنتناول في القسم الأخير الآثار والتداعيات الفورية ومتوسطة الأجل للهجوم الذي تقوم به الجماعة ضد أمن الدول المجاورة لمالي، وخاصة موريتانيا والسنغال، فضلا عن التهديد الذي تمثله للاستقرار الإقليمي.
مرونة أنهكتها صراعات داخلية خفية
رغم أن التجنيد المحلي في منطقة خاي أكثر صعوبة في الوقت الحالي مقارنة بمناطق أخرى، إلا أن الشكاوى تتزايد وتؤثر على التماسك الاجتماعي. هناك بالتأكيد بعض الصمود الاقتصادي بسبب التداعيات الاقتصادية للهجرة، لكن خاي تواجه تحديات متزايدة على المستوى الأمني، ولا سيما بسبب موقعها الحدودي.
ويعتبر النفاذ الحدودي مع السنغال وموريتانيا بمثابة استمرارية ثقافية اجتماعية حاسمة، بالإضافة إلى حركة الأسلحة وتأثير الديناميات الإقليمية المتصاعدة التي تفاقم النزاعات وتثير التوجهات المجتمعية.
إن سباق الأسلحة البيضاء والنارية، المدعوم من الشبكات العابرة للحدود من المعسكرات المختلفة، يفاقم خطر تصعيد العنف، في حين أن النزوح المستمر للسكان داخليا نحو المدن مثل ديما ومامبري، يفاقم من الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية.
ورغم هذه التحديات، فإن المنطقة لها آليات داخلية للوقاية وإدارة النزاعات، مثل الوساطات التي يقوم بها زعماء القرى، والعائلات المعروفة بالحيادية أو الشباب المتطوعين النشطين في الوساطة والتوعية. ومع ذلك، فإن فعالية هذه الآليات غالبا ما تتعرض للخطر بسبب تزايد الاستقطاب بين الفاعلين وسوء الثقة المتزايد بين المجتمعات.
ومع ذلك، فإنه يبدو إلى جانب أهميتها الاقتصادية الثابتة، تعتبر منطقة خاي هدفا استراتيجيا رئيسيا لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، على سبيل المثال التي تعتبرها مساحة حيوية للاقتصاد والأمن في مالي، فضلا عن إمكانية تمكينها من تنفيذ المزيد من الهجمات التي تعيق إمدادات هذا البلد.
إن الهجمات الأخيرة التي شنتها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بتنظيم القاعدة، في منطقة خاي بمالي، تبدو وكأنها جزء من استراتيجية متعمدة تهدف إلى زعزعة استقرار الاقتصاد المالي، وربما خنقه، حيث تستهدف هذه الاستراتيجية بشكل خاص إلى عزل العاصمة باماكو، مع زيادة النشاط بشكل متزايد في هذه المنطقة الاستراتيجية.
وتؤكد مثل هذه الهجمات الاستراتيجية التي تهدف إلى التوسع أكثر والعمل على نحو أكثر انتظاما في غرب مالي، ولن تمر دون تبعات، على الأقل بالنسبة للاقتصاد في بعض الدول المجاورة مثل السنغال وموريتانيا.
وقد زادت جماعة نصرة الإسلام والمسلمي من أنشطتها في منطقة خاي، وهي منطقة استراتيجية على الحدود مع السنغال وموريتانيا، وتمثل مركزا اقتصاديا رئيسيا لمالي. ويسمح تحليل الاستراتيجية التي اعتمدتها الجماعة بإبراز آليات هذه الدينامية التي تقوم على ثلاثة محاور تكتيكية رئيسية.
“جهاد” اقتصادي واستهداف للمحاور اللوجستية الحيوية
ركزت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين هجماتها على منطقة خاي، وهي مركز اقتصادي استراتيجي وتمثل ثاني أكبر مساهم في الناتج المحلي الإجمالي المالي بعد باماكو، على الطريق الوطنية رقم: 1 (RN1) التي تربط بين باماكو وداكار عبر خاي وديبولي، وهي محور تجاري حاسم، حيث تضمن حوالي 30% من الواردات البرية لمالي، أي 2.7 مليون طن من البضائع سنويا، بما في ذلك الوقود والسلع الأساسية الأخرى.
ويعتبر الممر الرابط بين باماكو وداكار ركيزة استراتيجية تسهل التجارة في غرب إفريقيا، حيث تعبر 70% من الواردات المالية عبر الموانئ الإقليمية، وخاصة ميناء دكار. وتوضح الأحداث الأخيرة بشكل خاص هذه الاستراتيجية. ويمكننا هنا أن نذكر الهجمات المنسقة على خاي وديبولي في 1 يوليو 2025.
وفي الواقع أطلقت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين هجمات متزامنة ضد خمس مواقع عسكرية في منطقة خاي، بما في ذلك مدينة اي ودبولي، التي تبعد 1.3 كم عن الحدود السنغالية. ففي دبولي، استهدف الهجوم البنية التحتية الأمنية، مما أدى إلى تعطيل حركة المرور عبر الحدود.
وقد نفذذت هذه الهجمات كتيبة ماسينا، وهي حاليا أكبر فصيل في جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، حيث استهدفت نقاط التفتيش والثكنات والمباني الإدارية، مما أظهر رغبة في شل تدفقات التجارة. وسيطرت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين مؤقتا على العديد من المواقع دون أن تتمكن من فرض سيطرة مستمرة، مما يعكس مع ذلك قدرتها على تحدي سلطة الدولة المالية.
ومن جهة أخرى، كان هناك تخريب للطريق الوطنية رقم: 1 (RN1) في 31 أغسطس 2025. في هذه المرة، أضرمت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين النار في معدات البناء على هذه الطريق، والتي كانت قيد الترميم من قبل الشركة الصينية (كوفيك)، مما أدى إلى تعطيل مسار التجارة في مالي وكذلك على المستوى الإقليمي.
وتم فرض حظر التجول في خاي حتى 30 من سبتمبر 2025، مما قيد حركة المرور للمركبات العسكرية والإسعافات، وأدى إلى نقص التبادلات التجارية عبر الحدود. ويهدف هذا التخريب إلى عرقلة تحديث البنية التحتية، مما يجعل باماكو أكثر اعتمادا على الطرق الضعيفة.
وحتى الآن، لم يتم تنفيذ استعادة كبيرة من قبل الجيش الذي تعرض للضعف بالفعل بسبب الخسائر العسكرية في بوليكييسي في يونيو الماضي. في هذه الأثناء، تعزز جماعة نصرة الإسلام والمسلمين سيطرتها على وسط البلاد، وتحضر لعمليات جديدة لاستهداف المحاور التجارية الاستراتيجية بشكل أفضل.
وفي هذا السياق، أعلنت الجماعة في 3 من سبتمبر من خلال رسالة صوتية بلغة الفولان وبلغة البمبارة، لشخص يدعى أبو حذيفة البمباري، فرض حصار على المحاور المؤدية إلى خاي ونيرو دي ساحل ـ وهي ملتقيات طرق تتجه نحو السنغال وموريتانيا ـ ومنع نقل الوقود من ساحل العاج وغينيا كوناكري والسنغال وموريتانيا، وتعليق أنشطة شركة ديارا للنقل.
وتشير هذه الحقائق، إلى أنه من خلال استهداف المحاور الأساسية للإمداد، تعيق جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إمدادات باماكو من الوقود والمواد الغذائية الضرورية، مما يسبب ارتفاع الأسعار وزيادة انعدام الأمن الغذائي (1.52 مليون شخص متضرر في منيكا ومناطق أخرى).
إن الدعوة لتعليق مؤقت للرحلات من قبل اتحاد الناقلين البريين في السنغال اعتبارا من الثاني من يوليو، ردا على الحصار الذي أعلنته جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، تعكس تفاقم هذه الأزمة.
وتهدف الجماعة إلى خنق باماكو من خلال قطع شرايينها اللوجستية، مما يفرض اعتمادا متزايدا على طرق ثانوية غالبا ما تكون تحت سيطرة المتمردين.
بين الحصارات المعلنة ومراقبة التدفقات الاقتصادية
بهدف تعزيز سيطرتها على منطقة خاي وإضعاف الدولة المالية، تعمل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين على فرض قيود اقتصادية. ففي 2 من يوليو 2025، أعلنت من خلال بيان لأبي حذيفة البمباري عن حصار لخاي ونيرو دي ساحل، حيث تم حظر استيراد الوقود من السنغال وموريتانيا وساحل العاج وغينيا، وتعليق عمليات شركة ديارا للنقل، وهي شركة لوجستية كبيرة.
ويهدف هذا الحصار إلى السيطرة على التدفقات عبر الحدود وفرض ضرائب على الطرق، وهي استراتيجية تمت ملاحظتها بالفعل في مناطق أخرى من البلاد مثل فارابوغو، ففي 19 من أغسطس 2025، شنت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين هجوما منظما ضد فارابوغو وبيريكي – وير في منطقة سيغو، وبعد ساعات من المعاك، تم الاستيلاء على المعسكر العسكري المحلي، وتراجعت القوات المسلحة المالية.
وأصبحت المدينة تحت سيطرة الجماعات الجهادية، بينما هرب السكان المدنيون، مما حول فارابوغو إلى مدينة أشباح. وقد فرض عناصر جماعة النصرة بسرعة سلطاتهم من خلال حظر الموسيقى، والكحول، والسجائر، وفرض الزكاة، وقوانين صارمة بالنسبة لملابس النساء.
إن هذا الاستيلاء الرمزي يعكس تراجع حضور الدولة المالية في بعض المناطق الريفية. ففي وقت مبكر من 5 سبتمبر بدأت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بالفعل في تنفيذ تهديداتها، من خلال إضرام النار في حافلة لشركة ديارا للنقل، بالقرب من مصنع كارانغانا (محور كوري – كوتيالا)، واختطاف ستة سائقين سنغاليين بين خاي وديبولي، قبل أن يتم إطلاق سراحهم لاحقا.
وفي ليلة 5 إلى 6 من سبتمبر، تم إضرام النار في 3 صهاريج على طريق باماكو – خاي، وتم اكتشاف جثث في اليوم التالي. وأخيرا في يوم 6 سبتمبر نشر جهاديو جماعة نصرة الإسلام والمسلمين شريط مصورا يظهرون فيه أمام حافلة لشركة ديارا للنقل، وهو ما يؤكد استمرار الحصار.
وفي ذات السياق، أكدت فيديوهات متداولة على الأنترنت اندلاع حرائق في صهاريج على محوري باماكو ـ سيغو، وسيكاسو ـ باماكو، مستهدفة الممرات الأساسية لتأمين الإمدادات.
إن اختطاف سائقين على محور داكار ـ باماكو، وتعليق نشاطات شركة ديارا للنقل، إحدى أكبر مشغلي النقل في البلاد، يعكس تحولا في التصعيد الجاري.
وقد قررت الشركة بعد إحراق عدد من حافلاتها، وتزايد الهجمات التي تستهدفها، التوقف مؤقتا من أجل “الحفاظ على سلامة الركاب والناقلين”. وجاء القرار عقب تحذير صريح من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، التي هددت وهاجمت لاحقا شركة النقل.
وتوضح هذه السلسلة من الأحداث ليس فقط تصاعد قوة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، والقدرة على تحويل تهديداتها إلى أفعال، ولكن أيضا الصعوبات التي تواجه القوات العسكرية في حماية البنيات الحيوية مثل المحاور الطرقية الرئيسية.
الزعزعة التدريجية للاستقرار من خلال الرهان على إضعاف الاقتصاد
عبر تقييد الوصول إلى الوقود، الذي يعد ضروريا للعمليات العسكرية والمدنية، تعزز جماعة نصرة الإسلام والمسلمين هشاشة الاقتصاد في مالي، مما يزيد من تكاليف النقل والسلع الأساسية.
إن تعطل سلاسل الإمداد الرسمية يدفع الفاعلين الاقتصاديين غير الرسميين، نحو شبكات غالبا ما تفرض عليها ضرائب من قبل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، مما يعزز القبضة المالية لهذه الجماعة.
وعلاوة على ذلك، فإنه في يوليو 2025، استهدفت كتيبة ماسينا وهي فصيل من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين مواقع التعدين في بافولابي على طول الطريق الوطني رقم: 22، وهو ممر لوجستي حيوي يربط داخل مالي بطرق التصدير نحو السنغال.
وتمثل خاي، التي تحتل حوالي 80% من إنتاج الذهب المالي، مركزا اقتصاديا رئيسيا. من خلال استهداف الأنشطة التعدينية (الذهب، الليثيوم) والتجارية، تسعى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إلى حرمان باماكو من الإيرادات الأساسية، بينما تمول الجماعة عملياتها الخاصة من خلال الابتزاز والسيطرة على الأسواق غير المشروعة (ذهب، ماشية، خشب).
ومن ناحية أخرى، فإن من الملاحظ أن هجمات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، التي زادت بشكل متسارع (7 مرات بين عامي 2021 و2024)، تهدف إلى إقامة سيطرة على المناطق الريفية في خاي، مما يلقي بظلال من الشك على سلطة الدولة وشرعيتها.
ومن خلال فرضها حظرا على الوقود والنقل، تقدم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين نفسها كسلطة فعلية، مما يقوض شرعية الحكومة المالية.
إن الهجمات التي تستهدف أهدافا رمزية، مثل إقامة حاكم خاي في الأول من يوليو الماضي، تهدف إلى إظهار الصعوبات التي تواجهها الدولة في حماية مؤسساتها. ومن خلال استهداف خاي، وهي نقطة عبور أساسية، تسعى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إلى عزل باماكو عن طريق قطع الإمدادات الحيوية الخاصة بها.
وقد تؤدي هذه الاستراتيجية على المدى المتوسط، إلى إضعاف دوائر الإمداد بالعاصمة بشكل ملحوظ، مما يزيد الضغط الاقتصادي على النظام المالي، كما أن السيطرة على نقاط التفتيش المحيطة، والهجوم على المواقع العسكرية، تعكس رغبة في تقييد حركة القوات المالية، مما يجعل باماكو أكثر عرضة للخطر.
وهكذا، فخلال ثلاثة أسابيع، أطلقت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين استراتيجيتها التطويقية، وأظهرت قدرتها على المزج بين الاحتلال الإقليمي (فارا بوغو)، والحصار (خاي، ونيورو، وديافاربي وليره)، والهجمات المركزة (الصهاريح، والحافلات التي تسلك محاور رئيسية).
هجمات ضد المصالح الاقتصادية الأجنبية
تتجلى استراتيجية جماعة نصرة الإسلام والمسلمين أيضا في استهداف الشركات الأجنبية، وخاصة الشركات الصينية، لتقويض ثقة شركاء مالي الاقتصاديين. وخلال شهري يوليو وأغسطس 2025، سُجِّلت عدة هجمات على عدة مواقع.
وقد هاجمت الجماعة 7 مواقع صناعية أجنبية في منطقة خاي، بما في ذلك مصنع دايموند للأسمنت، واختطفت 3 هنود. ولا تعزى هذه الهجمات إلى مظالم ضد الصين في حد ذاتها، بل تهدف إلى إضعاف الاقتصاد والدولة المالية. وتهدف كذلك إلى تثبيط الاستثمار الأجنبي، وخاصةً من الصين، التي استثمرت 2.5 مليار دولار أمريكي في مالي بين عامي 2000 و2020، وفقًا لمعهد أمريكان إنتربرايز.
ومن خلال استهداف وضرب مواقع استراتيجية مثل مناجم الذهب والمصانع، تسعى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إلى إضعاف الاقتصاد المالي، الذي يعتمد بشكل كبير على تصدير هذه الموارد.
وتهدد هذه الهجمات العلاقات الاقتصادية بين مالي وشركائها، وخاصة الصين، وهي لاعب رئيسي في الصناعات الاستخراجية. وبتقويضها شرعية الحكومة المالية، المتهمة بالفشل في جذب الاستثمارات، تُعزز جماعة نصرة الإسلام والمسلمين روايتها بشأن فشل الدولة، مما يزيد من عزلة باماكو على الساحة الدولية.
علاوة على ذلك، ومن منظور عسكري، يبدو أن الهجمات المتزامنة في خاي وسيغو (1 يوليو 2025) تهدف إلى تشتيت القوات المسلحة المالية، وإضعاف قدرتها على حماية باماكو. ومن خلال إنشاء قواعد في منطقة خاي، مثل المعسكر الذي دمره الجيش المالي في غابة غال – غال في 13 يوليو، تعزز هذه الجماعة وجودها لتنسيق الهجمات المستقبلية.
إن هذا التشتت في الجهود العسكرية المالية، مقترنا بانقطاع الإمدادات، يعزل باماكو ويحد من قدرتها على مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية، ومع ذلك، ينفي الجيش المالي نفيا قاطعا وجود حصار في خاي ونيورو، مدعيا أنها “حرب إعلامية” تشنها وسائل إعلام أجنبية.
وفي بيان رسمي له اكتفى الجيش بالإشارة إلى “تكثيف العمليات الإرهابية” في خاي، متحدثا عن “الأنفاس الأخيرة لعدو محاصر” و”متقهقر”.
الضغط الأمني على خاي وتداعياته على الدول المجاورة
قد تكون لتكثيف أنشطة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في منطقة خاي تداعيات مباشرة على الدول المجاورة، كالسنغال، نظرا لسهولة اختراق الحدود والترابط الاقتصادي بين البلدين. ويطرح هذا الأمر عدة مخاطر رئيسية منها: زيادة الضغط على نيورو وتداعيات ذلك على موريتانيا، وتعطيل التجارة عبر الحدود، وخطر زعزعة الاستقرار الأمني، والضغط على موارد الأمن السنغالية، وخطر انتشار العدوى الإقليمية.
تزايد الضغط على نيورو وتداعياته على موريتانيا:
في إطار استراتيجيتها لخنق باماكو، لم تعد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تتردد في الضغط على نيورو، متخلية بذلك عن فكرة حرمة هذه المدينة، التي تتميز بكونها موطنا للشريف بويه حيدرة النافذ.
ويبدو أن الجماعة الإرهابية تستغل “الانقسامات” داخل القيادة العسكرية للنظام (المالي) والاضطرابات التي شهدتها الثكنات مؤخرا.
ووفقا لبعض الشهود، فإن نيورو وبعض البلدات المحيطة بها تتعرض بالفعل لضغوط شديدة، على الرغم من رفض السلطات لنظرية الحصار. ومع تزايد تدفق اللاجئين إلى المناطق الحدودية مع مالي في موريتانيا، يبدو أن الفضاء العام يشهد توترا متزايدا بسبب ردود الفعل القوية من مجتمعات البيض.
ولن يخلو هذا الوضع من خطر توريط المسؤولين تدريجيا في أزمة خفية مع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين.
في الواقع، لا يزال شريف نيورو يتمتع باحترام كبير في موريتانيا، بما في ذلك بين كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين، وكبار المسؤولين في الإدارة. علاوة على ذلك، لا ينبغي إهمال نفوذ شريف نيورو، الذي يبدو أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تعتبره الآن من بين أهدافها، لا سيما في منطقتي الحوض والعصابة في موريتانيا.
وقد شهدت منطقة خاي في أعقاب التهديدات الموجهة للزعيم الديني وسلامته، حراكا واسعا في صفوف مستخدمي الإنترنت يطالب الدولة (الموريتانية) بالتدخل عسكريا لحمايته، ويعني هذا أنه في حال استمر الضغط الأمني في منطقة خاي، فإن تداعيات هذا الوضع ستتجاوز حدود هذه المنطقة من مالي، وتؤثر على الدول المجاورة، نظرا لطبيعة الانتماءات العابرة للحدود الوطنية، وتعقيد الولاءات المجتمعية والدينية.
تعطل التجارة عبر الحدود مع السنغال:
تعد السنغال طريق تصدير رئيسي لمالي، وخاصة عبر ميناء داكار، ويهدد تعطل طرق التجارة في خاي مثل الحصار الذي فرضته جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، صادرات مالي (الذهب والثروة الحيوانية والأخشاب) العابرة للسنغال. وقد يؤدي هذا إلى زيادة تكاليف النقل وأسعار بعض السلع الأساسية في السنغال، حيث تتأثر شبكات التجارة الرسمية بالاعتماد على الطرق غير الرسمية التي تسيطر عليها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين.
مخاطر أمنية مباشرة على الدول المجاورة:
تسعى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إلى التسلل نحو المناطق الحدودية، بما في ذلك شرق السنغال، كما يتضح ذلك من خلال الأحداث الأمنية المتزايدة قرب حدودها، كما حدث في ميلغي، ومؤخرا في ديبولي. وتهدد سهولة اختراق الحدود، إلى جانب نقاط ضعف أخرى كضعف الوعي الأمني وانتشار السلفية، بخطر وقوع هجمات، أو إنشاء قواعد خلفية من طرف الجماعة.
وقد أججت هجمات 1 يوليو 2025 في منطقة خاي القريبة من الحدود، مخاوف أمنية في السنغال، واستجابة لهذا التهديد، عززت السنغال أمن حدودها، لا سيما من خلال نشر مجموعة العمل السريع للمراقبة والتدخل في غوديري، بدعم من الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، قد يتطلب تصعيد أنشطة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين زيادة تعبئة الموارد، مما يحول الانتباه عن الأولويات الداخلية مثل التحديات الاجتماعية والاقتصادية.
وعلاوة على ذلك، فإن بعض أوجه القصور في الذكاء الاجتماعي في المناهج التي تمت الدعوة إليها حتى الآن تثير تساؤلات حول الاستراتيجيات المناسبة، التي ينبغي أن تشمل مبادرات وقائية أكثر سلامة من الناحية السياسية.
تزايد مخاطر العدوى الإقليمية:
قد يؤدي اضطراب التجارة وتفاقم انعدام الأمن في خاي إلى انتشار الرشوة، والاتجار غير المشروع بما في ذلك المنتجات ذات الاستخدام المزدوج، وشبكات التهريب، مما يؤثر تدريجيا على الاستقرار الإقليمي.
إن السنغال بصفتها شريكا اقتصاديا رئيسيا لمالي، معرضة لخطر تنامي الشبكات الإجرامية العابرة للحدود، مع احتمال تأثر قطاعات مختلفة، كما هو الحال بالفعل في قطاع النقل.
إن هذا البعد الاقتصادي في استراتيجية جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، الذي يبرز مواطن ضعف مقلقة أصلا، يهدد بزيادة تعقيد مكافحة الإرهاب، وإدارة الطوارئ الأمنية.
خاتمة
تتبنى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين استراتيجية متطورة تجمع بين الحصار الاقتصادي والهجمات الموجهة على البنية التحتية الاستراتيجية والإكراه لخنق الاقتصاد المالي وعزل العاصمة باماكو تدريجيا. ومن خلال استهدافها منطقة خاي، وهي مركز اقتصادي حيوي يمثل حوالي 80% من إنتاج الذهب في مالي وعنصرا رئيسيا في ممر باماكو- داكار التجاري، تسعى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إلى تعطيل تدفقات التجارة الأساسية التي تمثل حصة كبيرة من واردات مالي البرية.
وتهدف هذه الاستراتيجية، التي تجسدت في الهجمات المنسقة في 1 يوليو 2025 على خاي وديبولي، وتخريب الطريق الوطني رقم: 1 في 31 أغسطس 2025، وإقامة حصار على الطرق الرئيسية المؤدية إلى خاي ونيورو دي ساحل، إلى حرمان باماكو من الموارد الحيوية، ما قد يؤدي إلى زيادة انعدام الأمن الغذائي وارتفاع أسعار السلع الأساسية.
ومن خلال فرض القيود على واردات الوقود واستهداف شركات النقل، تسعى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إلى إقامة سيطرة اقتصادية موازية، وتعزيز قبضتها المالية من خلال الابتزاز والضرائب، حتى على الشبكات غير الرسمية.
وعلاوة على ذلك، تستغل الجماعة الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية في خاي، بما في ذلك الصراعات الهيكلية المرتبطة بالعبودية القائمة على النسب والتوترات بين المزارعين والرعاة، لتضخيم الانقسامات المجتمعية وتسهيل التجنيد المحلي، على الرغم من أن هذا ما يزال محدودا بسبب المرونة الاقتصادية المرتبطة بالهجرة.
وتهدف الهجمات على المصالح الاقتصادية الأجنبية مثل مواقع التعدين في بافولابي، واختطاف الأجانب العاملين لدى شركات دولية، إلى تثبيط الاستثمار الأجنبي، وخاصة الاستثمار الصيني، مما يضعف مالية الدولة.
ومن خلال استهداف رموز سلطة الدولة، وفرض شروط صارمة في مناطق مثل فارابوكو، تسعى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إلى تقويض شرعية الدولة، مما قد يضعها كجزء من إطار حوكمة بديل، مع تجنب الأخطاء التكتيكية للجماعات الإرهابية الأخرى، مثل الاحتلال المطول دون دعم محلي.
وبالنسبة للسنغال، فإن تداعيات هذه الاستراتيجية متعددة فتعطيل التجارة العابرة للحدود عبر ميناء داكار، يهدد الصادرات المالية (الذهب، والثروة الحيوانية، والأخشاب)، مما يزيد من تكاليف النقل وتكلفة السلع الأساسية.
ويتفاقم خطر تسلل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين عبر الحدود إلى شرق السنغال، كما يتضح ذلك من خلال أحداث ديبولي وميلغي، في حين أن الضغط على نيورو دي ساحل وهي مدينة مؤثرة في موريتانيا بسبب شخصية شريف بوي حيدرة، قد يسمم العلاقات المجتمعية عبر الحدود.
وتنذر هذه الديناميات بتعزيز الاتجار غير المشروع والعدوى الإقليمية، مع استمرار انعدام الأمن، ما قد يشكل ضغطا على القدرات الأمنية للسنغال.
فبدون تعزيز التعاون الإقليمي بين مالي والسنغال وموريتانيا، من خلال التركيز على تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتأمين الممرات الاقتصادية، ودمج مقاربات وقائية تراعي الديناميات الاجتماعية المحلية، فإن المنطقة ستواجه خطر تصاعد العنف، مما يعزز مستوى عدم الاستقرار.
وتتطلب الاستجابة الفعالة تعزيز آليات الوساطة المحلية في خاي، كتلك التي يقودها زعماء القرى والعائلات المحايدة، لتخفيف التوترات المجتمعية ومواجهة استغلال جماعة نصرة الإسلام والمسلمين للانقسامات الاجتماعية والمظالم الاجتماعية والدينية والاقتصادية.
وفي غياب مثل هذه التدابير، فإن تزايد انعدام الأمن والهشاشة الاقتصادية قد لا يعزل باماكو فحسب، بل يُهدد أيضا استقرار شبه منطقة غرب إفريقيا بأكملها.
ــــــــــــــــــــــــ
– إعداد: معهد تمبكتو – المركز الإفريقي لدراسات السلام
– ترجمة: وكالة الأخبار المستقلة