جدول المحتويات
حيث ورد اسم "بولي هاندون" في عنوان الاتفاقية، لكن السطر الأول من الاتفاقية يحيل إلى أنها وقعت اعتبارا لزيارة وفد من "بولي تكنولوجي" لموريتانيا في الفترة ما بين 08 و 12 مارس 2010.
رسالة التحويل المالي التي وقعها وزير المالية المختار ولد اجاي يوم 12 نوفمبر المنصرم، تتكون من ثلاث مواد، تقول الأولى منها: "يرخص [وزير المالية] بدفع مبلغ مالي قدره مليار وخمسمائة مليون (1.500.000.000) أوقية، لصالح الأركان العامة للجيوش، للوفاء بالتزاماتها تجاه شركة Polytechnelogie.
المادة الثانية حددت بند اقتطاع هذا المبلغ من ميزانية 2015، في الباب: 99 من ميزانية 2015، وهو الباب المخصص للنفقات المتشركة، وهو ما يجعل هذا المبلغ المصروف للشركة الصينية من خارج ميزانية الجيش المنصوصة في الباب: 10، ويشكل المبلغ نسبة تقارب 48% من ميزانية استثمار الجيش.
وحددت الوثيقة رقم حساب الأركان العامة للجيوش لدى البنك المركزي الموريتاني، والذي سيحال إليه المبلغ المذكور.
أما المادة الثالثة والأخيرة فكلفت المدير العام للميزانية، والمدير العام للخزينة العامة والمحاسبة العمومية كل في ما يعنيه بتنفيذ هذا القرار الذي سينشر في الجريدة الرسمية.
تقشف وإنفاق خارج الميزانية
وحصل الجيش على مبلغ 1.5 مليار من بند النفقات المشتركة، رغم التقشف التي تعامل به مع ميزانيته الأصلية، حيث لم يتجاوز إنفاقه حتى شهر أكتوبر من العام 2015 نسبة 46.36% من أصل ميزانيته، وكان القطاع الأقل إنفاقا بين القطاعات العسكرية والأمنية.
ويشكل المبلغ نسبة 48% من ميزانية الاستثمار لدى الجيش، والتي بلغت في ميزانية 2015 المعدلة 3.125 مليار أوقية، فيما وجهت رسالة وزارة المالية مبلغ 1.5 مليار من النفقات المتشركة لصالح الشركة الصينية "بولي تكنولوجي".
شركة بتاريخ أسود
تعود نشأة الشريك الغامض للجيش الموريتاني – حسب المعلومات التي استقتها صحيفة الأخبار إنفو من مصادر متنوعة – إلى بداية عقد التسعينات (1980 – 1990)، ومن أبرز المعلومات الواردة عنها ما كتبه "معهد الدراسات الإستراتيجية" التابع للجيش الأمريكي في دراسة عن التبادلات العسكرية الصينية، حيث يقول في الصفحة: 472 من هذه الدراسة: "في الفترة ما بين 1980 و 1990 أذن مجلس الدولة [الصيني] لجيش التحرير الشعبي ببيع الأسلحة التي لديه في قوائم الجرد، ولتحقيق ذلك أنشأ قسم المعدات في جيش التحرير الشعبي شركة "بولي تكنولوجي".
وتصنف الشركة ضمن تجمع من 14 شركة في مجموعة تعرف باسم "بولي"، لكن لا يوجد للشركة موقع خاص بها، كما أن الكثير من الشبهات أثيرت حول دورها في المنطقة الإفريقية خلال السنوات الأخيرة.
تعرف الشركة – ذات الواجهة الاستثمارية في الصيد في موريتانيا – من قبل موقع صحيفة "نيويورك تايمز" بأنه "شركة للسلاح تابعة للدولة الصينية"، وذلك في خبر نشره هذا الموقع عن اكتشاف سفينة محملة بالسلاح متوجهة للسلطات الزيمبابوية خلال أزمتها مع المعارضة بعد انتخابات 2008، وصلت حمولتها 77 طنا، وقيمتها المالية 1.245 مليون دولار أمريكي. وتنسب نيويورك تايمز للسلطات الجنوب إفريقية قولها: "إن الشركة [بولي تكنولوجي] أخبرتها أن السفينة محملة بالبضائع".
كما يوجد على موقع المجموعة التي تضم الشركة مراسلات بينها وبين موردي حكومات إفريقية وإسلامية ومنظمات تتضمن مشاريع اتفاق حول توفير أسلحة وقنابل غاز مسيلة للدموع، إضافة لطلبات أخرى من موردين تطلب تحديد أسلحة صغيرة وأنواعا من الذخيرة.
وتحدثت المعارضة النيجرية عن أكبر صفقة فساد في تاريخ البلاد، بين الرئيس النيجيري مامادو تانديا وبعض أقاربه وشركة "بولي تكنولوجي"، موضوعها شراء 720 قسما دراسيا جاهزا سنة 2008 بأكثر من 11 مليون يورو وبالتراضي المباشر.
كما يكشف لنا أحد محركات البحث اتفاقا بين شركة "بولي تكنولوجي" وحكومة غانا من أجل استكمال مشاريع الجيش والشرطة في عموم البلد وبقيمة وصلت 3 مليار دولار، وهو مجال الاختصاص الحقيقي للشركة، كما تقول عنها محركات بحث أخرى، وصحف عالمية كبرى.
زيارة الأيام الخمس
كان أول ظهور علني للعلاقة بين الحكومة الموريتانية وإدارة شركة "بولي تكنولوجي" يوم 09 ديسمبر 2009، حيث وصل وفد إدارة هذه الشركة العاصمة انواكشوط، وكان بقيادة رئيس مجلس إدارتها أريك وانغ، حيث أمضى الوفد خمسة أيام أجرى خلالها العديد من اللقاءات، بدءا بالرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، مرورا بعدد من أعضاء حكومته، كان من بينهم على وجه الخصوص وزراء الشؤون الاقتصادية والتنمية، والصيد والاقتصاد البحري، قبل أن يعود الوفد يوم 08 مارس 2010 ليعقد اجتماعا آخر من الرئيس الموريتاني، ومع عدد من المسؤولين.
أريك وانغ، رئيس مجلس إدارة الشركة الصينية كشف في تصريحات لوسائل الإعلام بعيد لقائه الرئيس ولد عبد العزيز عن رغبة شركته في الاستثمار في مجالات الصيد والمعادن والطاقة الشمسية.
وتدخل السفارة الموريتانية في الصين على الخط لتقدم جزءا من هذه العلاقة، حيث تستعرض على موقعها الإلكتروني معلومات عن الشركات الصينية العاملة في موريتانيا، وتذكر ضمنها شركة "بولي تكنولوجي"، وتؤكد أن اختصاصها هو "العمل في مجال التعاون العسكري"، لكنها تتجاهل الشركة العاملة في مجال الصيد، والتي تحمل اسم "بولي هاندون"، وهي من تولى توقيع اتفاقية الصيد مع موريتانيا.
عربون صداقة
تكشف المراسلات الرسمية بين "شركة بولي تكنولوجي" والحكومة الموريتانية جانبا من هذه العلاقات، من بينها رسالة تلخص ما دار في اجتماع جرى في 12 يناير 2011 وجمع الأمين العام لوزارة الداخلية الموريتانية محمد الهادي ماسينه وبعض معاونيه، والمستشارة الاقتصادية في السفارة الصينية يانغ بي بي، وتركز نقاشه حول النظر في آليات للدفاع المدني مقدمة كهدية من شركة بولي تكنولوجي.
وفي رسالة أخرى بعث بها مسؤول موريتاني معنونة بـ"طلب تمويل مشروع" تطلب موريتانيا فيها "بشكل ودي" أن تبعث لها الشركة "بالتكلفة المتعلقة بشراء التجهيزات وتجهيزات الدفاع المدني التي تتفق مع التوصيات التي تضمنها الاجتماع الذي عقدناه مع السيدة يانغ بي بي المستشارة الاقتصادية بسفارة الصين في موريتانيا"، وتشير الرسالة إلى أنه "خلال الاجتماع نظرنا في كل الاقتراحات التي قدمها مشروع "بولي تكنولوجي"، وتمثلت تعليقاتنا في الملاحظات المدونة في الأسفل"، ويطالب الشركة أن "ترسل التكلفة عبر السفارة، وأن تبعث بنسخة منها إلى وزارة الداخلية واللامركزية على الفاكس رقم: 22245253661+".
بين "هاندون" و"تكنولوجي"
تكشف وثيقة وزارة المالية الحالية عن صرف الجيش الموريتاني مبلغ 1.5 من بند النفقات المشتركة في ميزانية 2015 لصالح شركة "بولي تكنولوجي"، كما يكشف تاريخ العلاقات بين الطرفين عن لقائين – على الأقل – بين الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز ورئيس مجلس إدارة هذه الشركة أريك وانغ، كان الأول منها في التاسع ديسمبر 2009، والثاني في 14 مارس 2010، كما التقى خلال زيارته لموريتانيا العديد من أعضاء الحكومة، فيما ظلت اللقاءات العسكرية بعيدة عن الإعلام، وعن مجالات النشر.
وكانت تصريحات وانغ خلال الزيارتين مقتصرة على الحديث عن رغبتهم في الاستثمار في مجال الصيد، وكذا مجال المعادن، والطاقة الشمسية، دون أن يتطرق الحديث لمجال الاختصاص الأصلي الذي أنشأت من أجله الشركة من طرف الجيش الصيني، وهو المجال العسكري، كما شهدت به السفارة الموريتانية في الصين في تحديدها لاختصاص الشركات العاملة في موريتانيا.
بعد هذه اللقاء الذي جرى في مارس 2010 وقعت موريتانيا اتفاقية مع شركة أخرى تسمى "بولي هاندون" تعمل في مجال الصيد، وتنتمي لنفس المجموعة، لكن الشريك الجديد كان مجهولا بشكل تام، حتى لمحركات البحث العالمية، بما فيها محرك البحث الصيني "بايدو"، وكل المعلومات المتوفرة عنه محصورة في معلومات ما بعد الاتفاق مع الحكومة الموريتانية، وهو ما أعطى وجاهة لسؤال: ما إذا كانت أنشأت خصيصا من أجله!
وقد أثر غموض هذا الشريك على نقاش اتفاقية الحكومة الموريتانية داخل البرلمان، حيث أكد العديد من النواب مخاوفهم من غموض هذا الشريك، ومجهوليته، وانسحب عدد من النواب المعارضين قبيل إقرارها خوفا مما وصفوه بـ"المشاركة في الجريمة في حق موريتانيا" حسب توصيفهم.
وقد انكشف جزء من غموض هذه الشريك إثر ورود اسم شركة "بولي تكنولوجي" بدل شركة "بولي هاندون" الموقعة للاتفاق، وذلك في الفقرة الثالثة من الصفحة الثانية من الاتفاقية.
شركة "بولي هاندون" التي بدأت أشغالها منذ 2011 على شواطئ مدينة انواذيبو، تواجه – إلى جانب الغموض – العديد من الأسئلة الأخرى من قبل النقابات العمالية، والبحرية، حيث يشكو الصيادون من استخدامها لشبكات صيد ممنوعة، كما يتحدثون عن استخدامها لشباك صيد تؤدي لتدمير البيئة البحرية.
أما النقابات العمالية فتقول إنها لم تف باتفاقيتها الموقعة مع الحكومة الموريتانية، حيث ألزمتها الاتفاقية بتوفير 2000 فرصة عمل، في حين ترى هذه النقابات أنها لم توفر سوى مئات، تقوم من حين لآخر بطرد بعضهم، واكتتاب آخرين للتغطية على عملية الطرد دون الوفاء بالالتزام بمضامين الاتفاق.
أما الشركة الأخرى "بولي تكنولوجي" فلا حديث عن وجود لها على الأراضي الموريتانية، وكان آخر ذكر لها هو ورود اسمها في الفقرة الثالثة من الصفحة الثانية من اتفاقية موريتانيا مع "بولي هاندون" في مجال الصيد، قبل أن تعود اليوم في رسالة وزير المالية الآمرة بصرف مبلغ 1.5 مليار أوقية من بند النفقات المشتركة لصالحها "للوفاء بالتزامات الجيش الموريتاني لها".
 
             
             
             
         
       
           
                 
     
     
     
     
     
     
     
    