جدول المحتويات
من بين هؤلاء شاب موريتاني في مقتبل العمر كان الحزن باديا علي محياه عندما أبلغنا بتوقيت الرحلة، قال لي إنه ترك خلفه حانوته وكل ما يملك وأنه بصدد العودة بعد أسبوع مضيفا أنه دخل إلى هنا ضحية إحدي الحملات التي تشنها السلطات بين الفينة والأخرى، وإن أحدهم (أي المتاجرين بالأوراق) أقنعه ذات صباح وهو يستلم منه المبلغ أن الوصل الذي يحمله أصلي وغير مزور، ما دفعه إلي الوقوف في وجه العاصفة وهو الذي كان بإمكانه التخفي كما يفعل أمثاله من حاملي الأوراق المزورة، لكن قدر الله وما شاء فعل.
وأما الآخر فقد طال عليه الأمد بعد أن رمته قوارب الموت علي شاطئ "cacuaco" قرب العاصمة "لوندا"، لتتلقفه أيادي شرطة الهجرة التي وضعته بدورها في سجن "اترينتا" في انتظار أن تجد من يتبرع له بتذكرة، فالسلطات الآنكولية لم تعد تتولي ترحيل المهاجرين غير الشرعيين على نفقاتها مما يزيد الوضع سوءا.
في طريق العودة اشتبكت في رأسي العديد من الأفكار والمشاعر كان أبرزها عدم الابتهاج بالعودة إلي الوطن وعدم الرغبة في تكرار التجربة.. وبين هذا وذاك كنت أسرح بعيدا في متاهات حقوقي الوطنية والتي من بينها إيجاد فرصة عمل تكفل لي لقمة عيش كريمة، قبل أن يقطع طاقم الطائرة شريط أفكاري بإعلان الهبوط في مطار نواكشوط الدولي.
خارج المطار كانت هناك حشود من المستقبليين في كرنفالات امتزجت فيها دموع الفرح بدهشة العودة، وكنت الوحيد بين القادمين الذي لم يحظى بشعور مماثل.
من بين تلك الحشود لفت انتباهي تجمع بشري على الجهة اليمني من المطار كان يضم خليطا من الفتيات والمخنثين تتعالي ضحكاتهم فوق دموع وصيحات كل المستقبلين والمودعين.
اقتربت أكثر في بحثي بين الوجوه عن صديق لي يفترض أنه في انتظاري، وفي تلك الأثناء اكتشفت أن الفتيات يتحلقن حول "نبقوها" أو "نبيقوها" بالتصغير كما يفضل أن يسمها عشاق "بنجه".
يبدو أن أحدهم عاد لتوه من رحلة شهر العسل، حيث تعالت الزغاريد ممزوجة ببعض التبريكات والكثير من التهاني.
هكذا كان المشهد في مطار انواكشوط الدولي عند منتصف ليل السابع من فبراير 2014.
*** يتواصل بإذن الله ***
نقلا عن صحيفة الأخبار إنفو