جدول المحتويات
حتى لانطيل آثرنا أن يسير حديثنا في ثلاث محاور ئيسية :
المحور الأول : شنقيط المكان والزمان
المحورالثاني : نهضة شنقيط جذورها ومعالمها
المحورالثالث : اسهامات الشناقطة ومسالكها المختلفة ( المحاظر، جامعات الصحراء، الطرق الصوفية، الجهاد )
شنقيط المكان والزمان:
فال ابن الأمين الوسيط : (1989 – 422 ) شنقيط بالقاف والجيم فكانت في العصر الأول تكتب بالجيم كما يوجد في الصكوك القديمة، وكتبها شارح القاموس في المستدرك بعد ( شنكات) هكذا ( شنكيت )مدينة بأقصى المغرب، وتفسيرها: (عيون الخيل )على ما ذكر سيدي عبد الله ولد الحاج ابراهيم .
شنقيط المنطقة المنبسطة بين جنوب المغرب ونهر السينيغال والتي شهدت بداية القرن 7 الهجري و14 الميلادي هجرة القبائل الحسانية العربية القادمة من جنوب المغرب ، وبسط سيطرتها على قبائل صنهاجه الأصلية هناك من خلال عملية تاريخية معقدة أنتهت بتأسيس أربع إمارات حسانية بداية من النصف الثاني من القرن 17 م وامتازت بالتنافس المستمر بين قبائل( محاربة) جلها من أصل عربي وقبائل ( عالمة ) من أصل بربري ، تمتهن الاولى العنف والثانية الدين وأقرب الحدود إلى الموضوعية ما حدها به أحد أبنائها وجمع فيه بين خصائصها الاجتماعية والسياسية وهو الشيخ محمد المامي ــ (ت 1222 هـ 1875 ) حيث قال : (ونحن أهل بادية في فترة من الاحكام بين العمالتين الاسماعيلة واليوصيا بية ) مقدمة في علم التربيع .
يقول المرحوم جمال ولد الحسن : عرفت ببلاد شنقيط إشارة إلى إحدى إعرق مدن البلادوأقدمها اشعاعا، وهي المدينة التي كانت ينطلق منها الحجيج فلايعرفون خارج بلادهم إلابها فهي تسمية خارجية قبلها أهل الداخل بطيب خاطر(عن الشيح محمد المامي في كتابه البادية).
كانت المسيرة الثقافية و التاريخية لشنقيط مرتبطة بتاريخ الإسلام وازدهاره الفكري والثقافي والسياسي.
فمع دخول الاسلام إلى شنقيط سنة 116 هـ دون مقاومة تذكر واعتناق سكانه الاسلام وأنتشر فيهم ، وإن كان العلم لم يفشو فيهم، بل إن هذا الاسلام كان مشوبا بأضغاث من الوثنية .
أدرك زعيم صنهاجه يحي بن ابراهيم لكدالي سطحية اسلام قومه وحاجتهم إلى تعميق الاسلام بثقافته خاصة مع تفشي العا دات والأعراف الصنهاجية فعاد من حجته بأول معلم إلى الصحراء هو عبد الله بن ياسين (ت 541 هـ )الذي أسس الرباط ثم الحركة المرابطية التي انطلقت منها الدولة سنة 431 هـ في الصحراء فقضت على الوثنية الغانية سنة – 1076 م ونشرت العلم والاسلام السني المالكي شمال وجنوب المنقطة ومع أن الاسلام غمر شنقيط إلا أن التعريب لم يشملها كليا حتى القرن 7 هـ و14 مع هجرة القبائل الحسانية …. وحتى القرن التاسع الهجري (15م)حيث اكتملت سيطرة بني حسان. مع توارد موجات الهجرة الحسانية وجدت أمامها أرضية صالحة للتعريب بفضل الاسلام وتشابه الظروف الطبيعية والمعيشية والبداوة لدى السكان الوافدين والأصليين فتم الامتزاج بين العرب الحسانيين والصنهاجيين بسهولة وسادت اللغة الحسانية في التخاطب …وإن ظلت الصنهاجية قائمة لدى قلة من قبائل الزوايا.
يقول جمال بن الحسن بهذا الخصوص: (بداية من القرن 17 م 11 هـ ظهرت في صفوف القبائل العزلاء التي أصبحت تعرف بقبائل الزوايا حركة فكرية عربية اسلامية طافحة بالنشاط لايتسع المقام هنا للتعريف بكل ملامحها …. إنمايعنينا هنا أنها كانت حركة تعرب سريع معمق ونحن نستعمل كلمة "التعرب" لا لتعريب إشارة إلى ماتتسم به هذه الحركة من عودة الفعل إلى فاعله – كمايقول الصرفيون ــ أي أن القبائل العرب المسيطرة لم تبذل جهدا منظما لتعريب موطنيها، ولم تحمل معها علما يدرس أوتدينا يقتدى به ، فقبائل الزوايا قد تعربت أي عربت نفسها متأثرة بلا شك بالوضع الاجتماعي والسياسي الناجم عن سيطرة بني حسان، ولكن الجانب العقائدي واللغوي من هذا التعرب لم يكن فيه أي دخل للإرادة السياسية الحاكمة) . (جمال1985 ــ 112)
نهضة شنقيط الجذور… والمعالم
أدت حرب الزوايا وحسان إلى هزيمة الزوايا عسكريا، لكن نتائجها الثقافية كانت بالغة الاهمية ، حيث وجد الزوايا ضالتهم في العربية وعلومها فأقبلوا عليها درسا وتحصيلا …. فأنتجوا نهضة ثقافية وعلمية لامثيل لها .وبلغت هذه النهضة أوج إشعاعها في القرن 13 هـ … وهي التي مافتأت تثير دهشة مؤرخي الأدب والثقافة … يقول الأستاذ الباحث محمد المختار ولد السعد شرببة( 1992 – 149 ) " لقد وجدت العبقرية الموريتانية في اللغة العربية الأداة الفعالة للتعبير فازدهر الأدب وعلومه اللغة، وتفتق الشعر وظهر التأليف في مختلف المجالات بشكل واسع في بداية القرن 18 وبلغ ذروة ازدهارها في القرن 19 خلافا للقرن 17 الذي كان قرن العلوم الشرعية . وكان ذلك نتيجة مباشرة للتطورات الاقتصادية والاجتماعية التي تلت الحرب، ولاسيماحالة الاستقرار السياسي والسلام الاجتماعي والرخاء الاقتصادي ، الذي عرفته المنطقة آنذاك "
تبين فهارس المخطوطات والمصنفات الموريتانية ، الشأوالبعيد الذي بلغه القوم في هضم العلوم الشرعية والآداب العربية وماأضافوه من إضافات جليلة إلى هذه العلوم والمعارف . وقد تجاوزتأثير هذه النهضة الصحراء الشنقيطية إلى أعماق افريقيا ومجاهلهاكمابلغ المنطقة العربية من خلال ما سماه الأستاذ خليل النحوي "سفراء المحظرة" . وتجمع المصادر العربية والغربية على الإسهام الذي قام به هؤلاء السفراء الشناقطة في تثبيت دعائم الثقافة العربية والإسلامية في افريقيا السوداء . وكان للإمبراطوريات الدينية الإفريقية علاقة ولاء مباشر للمراكزالعلمية الشنقيطية . واشتهر الشناقطة بهذا العمل في المشرق العربي.
ولأن المكان المقام لايتسع لتعريف وتتبع آثارونتائج هذه النهضة الواسعة، فسأعرض في إيجاز لروافد ومسالك النهضة الشنقيطية عبر المحظرة والطرق الصوفية و النضال العسكري والعمل الثقافي السياسي . وصولا إلى الدعوة إلى إقامة الدولة ونصب الإمام.
اسهامات الشناقطة… ومسالكها المختلفة:
ليس علينا جناح أن نتساءل في فاتحة هذا المحور عن كيف أصبحت شنقيط علماعلى المعرفة الموسوعية وما وسيلة الشناقطة إلى نشر هذه المعرفة؟ وما مسالكها ومعالمها وأخيرا ما حصادها المثمر ؟؟
المحظرة الشنقيطية :
لقد كانت المحظرة وسيلة الشناقطة إلى هذه الريادة العلمية والثقافية تلك المؤسسة العلمية الفريدة في العالم الإسلامي و نذكر من أبرز خصائصها الحفظ والاعتماد على الذاكرة بسبب حياة الظعن والارتحال، ثم الجمع بين التيارين العلمي والتيار الطرقي الصوفي، وأخيرا النزعة الموسوعية في التأليف .
يقول الخليل النحوي (1987 – 269 ): ( كان الشناقطة يجوبون ديار الاسلام شعراء لبلدهم مفصحين عن عبقريتهم، حاملين الأدب والعلم، رسالة حياة وشهادة انتماء . فيلقون الإجلال والإكبار والتعظيم . كانت صورة شنقيط لدى المسلمين في المشرق المغرب، صورة العلامة، الأديب القادم من شوطئ المحيط وضفاف نهر السنغال …"
كانت المحاظر وسيلة نشر عبرها الشناقطة الاسلام وثقافته في مجاهل افريقيا. فحفظوا اسلامها وهويتها الحقيقية . يقول بير لا بات : الذي زار شنقيط عام 1690 م : (إن المرابطين البيظان هم الذين نقلوا المحمدية (الإسلام) إلى الزنوج، لهذا كان لهم نفوذ قوي على هذه الشعوب التي تنظر إليهم كأساتذة مرشدين في كل ما يتصل بالدين وتسترشد هم غالبا في شأنها).
يقول بول مارتي : مدير الشؤون الإسلامية بوزارة المستعمرات والمستعرب المعروف : (إنهم ــ أي البيظان ــ دعاة أقوياء للاسلام ) . استقطبت المحاظر الشنقيطية طلبة إفريقيا من كل الأصقاع. ولايمكن تتبع هؤلاء الطبة وإنما نكتفي بإعطاء أمثلة بارزة منهم : الشيخ الحاج عمر الفوتي، الشيخ عبد القادر كان زعيم الدولة الألمامية في فوتاتورو، والشيخ أحمد بمبا، والحاج مالك سي. وقد كان الشيخ سيد المختار الكنتي وابنه الشيخ سيد محمد صلات قوية بالمجاهد عثمان دان فود يو مؤسس دولة صوكتو الإسلامية في نيجيريا، دون أن ننسى اسهامات المختار ولد بونه الجكني، ومولود ولد أحمد فال اليعقوبي، وسيد عبد الله ولدأحمد دام الحسني، والمختار ولد حامد الديماني، وسيد عبد الله ولد ذي الخلال الباركي…. وغيرهم.