جدول المحتويات
وقال المعهد إن تزوير الأدوية في موريتانيا بدأ منذ العام 1981 مع اعتماد ليبرالية السوق في موريتانيا، مشيرا إلى أن الأمر تفاقم بشكل مذهل منذ العام 2004 مع اعتماد قانون جديد يسمح لكل موريتاني بافتتاح صيدلية لبيع الأدوية بشرط حصوله على اعتماد من حامل شهادة في الصيدلة.
شبكات محترفة
صحيفة "الأخبار إنفو" تتبعت في سوق الأدوية في العاصمة انواكشوط عشرات الشبكات التي تنشط في تزوير الأدوية، وتتبع الأدوية الأغلى ثمنا والأكثر استخداما من أجل تزويرها، من أدوية ضغط الدم إلى وسائل التخدير مرورا بالمضادات الحيوية بكل أنواعها، ويتم التزوير أحيانا بشكل يجعل التفريق بين المنتج المزور والأصلي مستحيلا دون اللجوء إلى المختبرات.
وتنشط هذه الشبكات بين عدة دول إفريقية، عبر طرق تهريب تربط موريتانيا بغينيا كوناكري وغينيا بيساو، كما بدأت بعض هذه الشبكات في استخدام الطرق التقليدية لتهريب المخدرات، والتي تمر عبر الصحراء الكبرى، وقد ضبطت إحدى شحناتها من طرف السلطات الجزائرية خلال الأسابيع الأخيرة.
وتوفر هذه الشبكات عشرات الأطنان سنويا، وتعتمد عليها بعض الصيدليات التابعة لشركات توزيع رسمية، في توفير بعض الأدوية.
وتشكل أسواق غينيا كوناكري أكبر ملتقيات المنطقة، حيث يتجمع فيها سماسرة الأدوية المزورة في الصين، والهند، ونيجيريا، وغانا، وساحل العاج.
وقد ازدهرت هذه الأدوية في كوناكري أيام حكم الجنرال لانسان اكونتي، وخلال حكمه تدفق قادة الشبكات الموريتانية إلى غينيا، حيث نشطت عمليات تزوير تجارة المضادات الحيوية أساسا والهرمونات الدوائية والفيتامينات، وأقام أغلب هؤلاء في حي "ماتم" و"الكورنيش" بجوار السوق أو في أحد فنادق العاصمة المملوك لرجل أعمال موريتاني.
ويتخذ كل مهرب شريك له في الدولة التي تستضيف نشاطه الرسمي، ويستغلون الرحلات الجوية لإرسال شحنات الدواء المزورة، مستعينين بعلاقاتهم في الجمارك الموريتانية، وفي مرحلة من المراحل كانت الخطوط الفرنسية تسير رحلتين بين انواكشوط وكوناكري أغلب ركابهما من تجار الدواء وسماسرته.
وقد كانت الأدوية المزورة تصنع في الصين أو في الهند أو في نيجيريا وتوضع عليها علامة الدواء الفرنسي في مركز الشبكة في إحدى عواصم غرب إفريقيا، ويتم تسويقها لاحقا في الأسواق الطبية على أنها منتجات فرنسية.
كما نشطت بعض الشبكات في مجال جمع الأدوية الفرنسية منتهية الصلاحية من الصيدليات وإعادة تدوير تاريخها وبيعها في الأسواق من جديد.
وقد بدأ داديس كامرا بداية حكمه حملة على شبكات تزوير الأدوية، وقادت حينها إلى كشف مصنع صيني لتزوير الأدوية في حي "كولياه دومينو" لتزوير الأدوية الفرنسية، وكانت المفاجأة أن أغلب زبائنه من التجار الموريتانيين.
جيش الموزعين
هذا وقد رخصت موريتانيا منذ العام 1981 لـ29 مركز توزيع للأدوية في البلاد، وتوجد فيها – بشكل رسمي – أكثر من 700 صيدلية – حسب معهد البحوث الفرنسي – لكن الموجود فعلا من شركات التوزيع هذه لا يتجاوز 6 إلى 8 وأغلب هذه الشركات لا تتوفر فيها معايير تخزين الدواء، ولا آليات حفظه، إضافة لفوضوية كبيرة في طرق توزيعه وبيعه للمواطن العادي.
ويقدم المعهد الفرنسي المختص في متابعة تزوير الأدوية مقارنة بين موريتانيا والدول المجارة لها، مستغربا وجود هذا العدد الهائل من موزعي الأدوية في البلاد (29 موزعا)، مقارنة مع عدد سكان البلاد، فدولة السنغال التي يصل عدد سكانها 14 مليون لا يتجاوز عدد الموزعين فيها 6 موزعين، أما ساحل العاج التي يصل عدد سكانها 19 مليونا فعدد موزعي الأدوية فيها لا يتجاوز 5 موزعين.
وفي جمهورية مالي المجاورة، والتي يصل عدد سكانها 14 مليونا أيضا لا يتجاوز عدد موزعي الأدوية فيها 6 موزعين.
ويعدد المعهد الفرنسي أنواعا من الأدوية يرى أن التزوير أكثر انتشارا فيها، وهي المضادات الحيوية، وأدوية الملاريا، والمهدئات (البارساتامول)، والمراهم.
آلاف القتلى
تجارة الموت المستفحلة في موريتانيا تخلف سنويا آلاف القتلى دون أن يتم الكشف بشكل رسمي عن هذه الأرقام، أو تحديد المسؤولين عنها من المتاجرين في هذه المواد شديدة الحساسية.
ويقدر المعهد عدد قتلى الأدوية المزورة في إفريقيا بـ100 ألف قتيل سنويا، في حين لا توجد أي إحصائيات عنها في موريتانيا.
ويؤدي غياب أي دور للجنة الأخطاء الطيبة إلى التغطية على عشرات العمليات التي تودي بحياة المرضى، كما أن عدم تبليغ الأطباء والممرضين – وأهالي المرضى – عن الأدوية المزورة يساهم في استمرار هذه العمليات.
ويكشف أحد العاملين في المجال الصحي لصحيفة الأخبار أن العديد من حالات تزوير الأدوية تم اكتشافها في مستشفيات موريتانية، لكن أي إجراء لم يترتب على ذلك الاكتشاف سوى تبديل الدواء، وفي الأكثر تحذير مرافق المريض من شراء الأدوية من الصيدلية التي اقتنى منها الدواء السابق.
ويشير العامل في المجال الصحي إلى حادثة سجلت قبل فترة يسيرة في الحالات المستعجلة في أكبر مستشفيات موريتانيا – مركز الاستطباب الوطني – حيث اكتشف الممرضون وجود حيوانات متحركة في قنينة من نوع "برازين PARAZINE" وذلك أثناء حقنها لأحد المرضى، وقد وجدوا أن القنينة مستوردة من طرف شركة "الأمل فارما" المملوكة لنائب مدينة أكجوجت محمد الإمام ولد ابنه، وقد استوردت هذا الدواء لمنافسة الدواء الفرنسي "بيرفلجان Perfalgan".
ومن المفارقات التي يذكرها المتابعون لملف تزوير الأدوية أن إحدى الشبكات العاملة في مجال تزوير الأدوية زورت دواء "فولتارين" (وهو دواء يوصف للروماتيزم وآلام المفاصل) على أنها دواء فرنسي في حين أنها دواء سويسري.
إحدى الشركات العاملة في مجال توزيع الأدوية في البلاد اكتشفت وجود تزوير لدواء Amlor – 5 و Amlor – 10 في انواكشوط، حيث يباع بسعر لا يصل خمس سعره الأصلي، وكانت تستورده عن طريق مركز يسمى Phyzer، وقد تقدمت بشكوى رسمية إليه، وهو ما دفع المركز لإيفاد بعثة تحقيق منه إلى انواكشوط، وعند مقارنة البعثة للمنتجين لم تستطع التمييز بينهما بالعين المجردة، لكن عند إخضاع المنتج المزور للاختبار في أبريطانيا تبين أنه خال من المواد الضرورية في الدواء، ويوصف هذا الدواء لأمراض الضغط..
قائمة الموزعين
ورغم ترخيص موريتانيا لعدة شركات ناشطة في مجال توزيع الأدوية – فضلا عن شركة المركزية لشراء الأدوية الرسمية – فإن قلة منها تنشط بشكل علني، ولها عناوين وإدارة وصيدليات في العاصمة انواكشوط.
ومن بين هذه الشركات:
– الأصلية للدواء. المملوكة لرجل أعمال.
– سوما فارا.
– السلام فارما.
– ليلى فارما.
– شنقيط فارما. المملوكة لنائب مقاطعة الطينطان سيد محمد ولد سيييدي.
	–       الأمل فارما. المملوكة لنائب مقاطعة أكجوجت محمد الإمام ولد ابنه، كما أنه هو أكبر مورد في البلاد لأدوية الحيوان، وتعتبر شركته أكبر مورد للأدوية من الصين.
	–        
	وقد اتهمت باستيراد دواء "برازين PARAZINE" والذي ضبط مزورا في الحالات المستعجلة بمركز الاستطباب الوطني، ويقدم الدواء كمنافس للدواء الفرنسي "بيرفلجان Perfalgan".
	 
	كما استوردت شركة "الأمل فارما" ست حاويات من المضادات الحيوية – رغم منع الحكومة لاستيراد المضادات الحيوية على الشركات الخصوصية  واحتكار استيرادها للمركزية للدواء الرسمية – وقد وصلت هذه الحاويات ميناء انواكشوط الدولي، وتم شحنها على أنها موجهة إلى أسواق جمهورية مالي المجاورة قبل أن يتم توزيعها في الأسواق الموريتانية.
	 
	تحذير رسمي
	وزارة الصحة في موريتانيا استدعت خلال الأسبوعين الماضيين شركات "الأمل فارما"، و"ليلى فارما"، حيث قدمت لهما تحذيرات في ختام الاجتماع الذي عقدته معهما.
	 
	وتأتي هذه التحذيرات في بداية لقاءات تقوم بها إدارة الصيدلة والمختبرات في موريتانيا بالشركات العاملة في المجال، لكن افتقادها للوسائل الضرورية للقيام بعملها يمنعها من تجاوز الشركات المعروفة إلى الشبكات الناشطة في الخفاء.
	 
	وتخلوا هذه الشركات – باستثناء اثنتين منها – من الأماكن الضرورية لحفظ الأدوية كغرف التبريد، والمخازن المناسبة لحفظ الأدوية قبل توزعها في الصيدليات.
	أما بقية قائمة الـ29 موزعا المرخصة في موريتانيا فلا أثر لها في العناوين الطبية المعروفة.
	 
عجز رسمي
المعهد الفرنسي تحدث في تقريره المنشور 15 مايو 2014 عن دق مهنيي قطاع الصحة لناقوس الخطر من انتشار تزوير الأدوية في موريتانيا، متحدثا عن عجز الجهات المسؤولة عن مواجهة هذا الخطر عن القيام بواجباتها وتحديدا إدارة الصيدلة والمختبرات.
وقال المعهد إن هذه الإدارة تنقصها الوسائل المادية والبشرية والمالية لمواجهة شبكات تزوير الأدوية الناشطة في المنطقة، إضافة لنقص التكوين لدى كوادرها البشرية.
10 مليار دواء سنويا
التقرير الفرنسي نقل عن المنظمة الدولية للجمارك (OMD) في تقريرها للعام 2012 قولها إن عشر مليار دواء مزور تدخل إفريقيا سنويا، وتصل قيمتها المالية إلى 5 مليارات دولار.
وأشار تقرير الجمارك إلى أن شهر إبريل 2013 عرف مصادرة 550 مليون دواء مزور في عمليات مداهمة تمت في 23 ميناء إفريقيا، تسعة منها في غرب إفريقيا، واستمرت هذه العملية ستة أيام فقط.
وعن مصدر الأدوية المزورة إلى إفريقيا قال التقرير إن أغلبها قادم من الصين والهند والإمارات.
 
             
             
             
         
       
           
           
                 
     
     
     
     
     
     
     
    