تخطى الى المحتوى

سلسلة تحقيقات عن الأخطاء الطبية والأدوية المزورة (3)

جدول المحتويات

 

لكن الشركة الرسمية قامت بتوزيع الكمية على الصيدليات رغم المخاطر التي تسببها الأدوية المزورة.

 

وحسب محاضر المختبر التونسي (المختبر الوطني لمراقبة الأدوية ومواد التجميل) فإن العينات التي أحيلت له من المركزية لشراء الأدوية الموريتانية "غير مطابقة للمواصفات العلمية للدواء"، وذلك في محاضر وصلت المركزية للدواء، وحمل أحد الأدوية الرقم: A0208  (Gentamicine sulfate) وتم تصنيعه مارس 2010، وتنتهي صلاحيته بتاريخ نوفمبر 2013، أما الدواء الثاني فحمل الرقم: 0L657T (Acide acetylsalieylique) وتم تصنيعه بتاريخ نوفمبر 2010، وتنتهي صلاحيته في فبراير 2012.

 

وقد استقبلت المختبر 50 عينة من الدواء رقم: 0L657T وذلك يوم 17 – 06 – 2011، ورد عليها يوم 22 – 06 – 2011، مؤكدا عدم تطابق مواصفاته للمواصفات العلمية.

 

أما الدواء رقم:  A0208 فقد تلقى المختبر 50 عينة منه، واستقبلها المختبر يوم 28 – 07 – 2010، ورد على المركزية للدواء بعدم مطابقته للمواصفات العلمية بتاريخ: 02 – 08 – 2010.

 

إثبات لصحة الوثائق..

وقد أثبت المختبر التونسي صحة الوثائق الصادرة عنه، مؤكدا أنه بعث بنتائجها إلى المؤسسة الموريتانية، وأكد عدم مطابقتها للمواصفات العلمية المطلوبة في نوعه من الدواء.

 

واعتذر المختبر في اتصال مع الأخبار عن تقديم مزيد من المعلومات عن الموضوع، أو الكشف عن أصول الوثائق التي حصلت الأخبار على نسخة منها، كما تكتم على حجم الدواء الذي "ثبت" لديه تزويره والذي أرسلت المركزية للدواء عينات منه.

 

وقال المختبر في حديثه للأخبار إن على استعداد لتوفير كل المعطيات المطلوبة منه في هذا الصدد، لكن بشرط أن يتم طلب ذلك من جهة رسمية، أو من مؤسسة أخرى عبر وزارة الصحة الموريتانية.

 

توزيع رغم التزوير..

دلائل متعددة حصلت عليها صحيفة "الأخبار إنفو" من بينها عينات من الأدوية المزورة، أثبتت قيام المركزية للدواء بتوزيع الأدوية المزورة على الصيدليات في انواكشوط، وداخل البلاد، كما أرسلت كميات منها لبعض المنظمات والهيئات الدولية التي تتعاقد معها.

 

ورغم التأثير الخطير للأدوية المزورة، والتي من بينها – حسب مصدر صحي مختص – إصابة من يتعاطاها بالسرطان، فإن المركزية أفرغت كل تلك الحاويات في السوق الموريتانية، وسابقت الزمن للتخلص منها خلال العامين 2010 – 2011 – 2012 – 2013 للتخلص منها قبل انتهاء صلاحيتها.

 

ويقع على عاتق المركزية للدواء – رسميا – استيراد الأدوية، ومواجهة سيل الأدوية المزورة الذي حول موريتانيا إلى مركز رسمي للتهريب في غرب إفريقيا، كما أنها تحتكر قضية استيراد المضادات الحيوية للسوق الموريتانية.

 

تقاعس سلك الأطباء..

وقد راسلت صحيفة الأخبار إنفو – قبل قرابة عام – سلك الأطباء والصيادلة الموريتانيين، ووضعت تحت تصرفه الوثائق التي حصلت عليها، والصادر عن المختبر التونسي، وطلبت منهم رأيا اختصاصيا في الموضوع، أو رأيا رسميا من السلك حول تزوير الأدوية.

 

وبعض وصول الرسالة، واصلت الأخبار مراجعة السلك حول الموضوع، واتصلت به أكثر من مرة لمعرفة رأيه، أو للحصول على جواب للرسالة الرسمية التي استلمها الاستقبال في مقر السلك، إلا أن الاتصالات والرسالة ظلت دون رد رسمي أو تعليق من سلك الأطباء والصيادلة، ودون تبرير للامتناع عن الرد أو التعليق.

 

نفي للتزوير..

كما اتصلت الصحيفة صباح الثلاثاء 11 – 11 – 2014 بالهاتف المركزي لشركة الأدوية، وكشفت لها الأخبار عن مضمون الوثائق الموجودة لديها، والمعطيات التي تؤكد استيراد المركزية لحاويات الدواء، وتوزيعها على الصيدليات في نواكشوط وداخل البلاد، إضافة لتزوير بعض زبائنها من المنظمات والهيئات بحاجتها منه.

 

 

وقالت المتحدثة عبر هاتف الشركة في ردها على الأخبار إن هذه الوثائق لا يمكن أن تكون صحيحة – رغم أن صحيفة الأخبار قدمت للشركة اعتراف المختبر التونسي بصدورها عنه – معتبرة أن اتهام الشركة ببيع أدوية مزورة لا يستند لأي دليل.

 

واستغربت المتحدثة عبر هاتف الشركة الثابت أن تكون المركزية قد قامت بتوزيع أدوية مزورة أو استيرادها أو إرسال عينات منها للمختبر التونسي، مشيرة إلى أن كل هذه الأمور تستهدف مصداقية المركزية للدواء.

 

دوس القوانين..

وتتغاضى الجهات المسؤولة عن نصوص القوانين المنظمة للمجال الصحي عموما، وللصيدلة على وجه الخصوص، ومن ذلك القانون رقم: 022 – 2010، الصادر بتاريخ: 10 فبراير 2010، والذي يهدف حسب الباب الأول منه إلى "تحديد الأحكام القانونية المتعلقة بالأدوية، والمستلزمات الطبية، وباقي مواد الصحة، وكذا ممارسة الصيدلة في الجمهورية الإسلامية الموريتانية".

 

وتحدد المادة: 85 منه في الفقرة الأولى منها إلى أنه "يجب أن يسبق أي افتتاح لصيدلية جديدة الحصول على رخصة صادرة عن الوزير المكلف بعد الصحة، بعد أخذ رأي سلك المختصين، ويجب أن يشرط منح هذه الرخصة باحترام دفتر الالتزامات الذي سيحدد بمقرر عن الوزير المكلف بالصحة".

 

وفي الفقرة الثانية منها نصت المادة: 85 على أنه "يجب أن يسبق أي تحويل لصيدلية من مكان إلى آخر بالحصول على رخصة صادرة عن الوزير المكلف بالصحة".

 

أما المادة: 87 فنصت على أنه "يستفيد من الأولوية من بين طلبات افتتاح صيدليات جديدة تلك التي تقدم بها صيادلة لم يحصلوا على قط على رخصة لفتح صيدلية، أو الذين لم يعودوا ملاكا لصيدليات منذ ثلاث سنوات على الأقل من تاريخ إيداع الطلب".

 

ويكشف حجم الفوضى التي تعرفها الصيدليات في العاصمة انواكشوط وفي مدن الداخل تخلي الإدارة المسؤولة عن الصيدلة عن دورها في احترام هذه القوانين، حيث تنتشر في موريتانيا أكثر من 700 صيدلية – بشكل رسمي – أما الصيدليات غير الرسمية فأكثر من أن تحصى.

 

وقد عرفت الأشهر الأخيرة انتشار ظاهرة جديدة بين الممرضين في المستشفيات الموريتانية، حيث أصبح بعضهم يحضر معه بعض الأدوية في حاويات خاصة، ويقوم ببيعها للمراجعين عند إجراء الفحوصات عليهم.

 

وقد ولد الأمر مخاوف لدى بعض المرضى من أن يصف لهم بعض الأطباء أدوية لا يحتاجونها لغرض تسويقها لديهم، وكانت الحمى الأخيرة مناسبة لازدهار هذه الظاهرة في مستشفى تيارت بالعاصمة انواكشوط.

 

أما عدد الصيدليات غير المرخصة أصلا، والتي لا تحترم أي معايير لحفظ الأدوية فمنتشرة في العاصمة انواكشوط وفي عواصم الولايات، وإن ظاهرة بيعها في الهواء الطلق وتحت ظل الأشجار قرب سوق العاصمة قد تراجعت خلال الأعوام الأخيرة، فإن تصاعد مبيعاتها حافظ على مستواه، إذا تحول إلى تجارة تختفي وراء مواد أخرى، وينشط سماسرتها في محيط تمركزهم السابق.

 

لامركزية الصيدليات..

وكما تم الدوس على المواد القانونية التي تنظم مراقبة الصيدليات وترخيصها، نالت المادة التي تنظم لا مركزية هذه الصيدليات حظها من الدوس، فقد نصت المادة: 92 في فقرتها الأولى على المسافة الفاصلة بين صيدليتين إلزامية، وتبلغ 200 متر على الأقل، وذلك على كافة التراب الوطني".

 

أما فقرتها الثانية فحدد مسافة الصيدليات من المنشآت الصحية، حيث نصت على أنه في "في محيط وفي شعاع 200  متر من منشأة صحية عمومية، لا يمكن الترخيص لأية نقطة لبيع الأدوية"، مستثنية من هذا المنع ما وصفته "بالصيدليات الاستشفائية أو المشابهة".

 

وتتكدس عند مدخل كل مركز استطباب أو عيادة أو مصحة أو مركز صحي عشرات الصيدليات، بحيث تلتصق كل واحدة منها بجنب الأخرى رغم صراحة القانون في هذا المجال.

 

كما تشكل تجمعات في باقي أحياء العاصمة، فلكل حي مجمع لعدة صيدليات في تبقى بعض الأحياء دون أي تغطية دوائية، وعلى الباحث عن الدواء السير أو الركوب عدة كيلومترات للحصول على طلبه.

 

توحيد الأسعار..

ومن المواد القانونية التي تركت حبرا على ورق، وغابت أي رقابة أو تطبيق لها، المادة التي نظمت مجال أسعار الأدوية، وأحالت إلى مقرر لتفصيله، وقد صدر بالفعل، لكن التسعير واقعيا ظل في يد الباعة في الصيدليات وفي الشوارع بفعل غياب الجهات الرسمية المسؤولة عن المجال.

 

وقد نصت المادة: 60 من القانون رقم: 022 – 2010 الصادر بتاريخ 10 فبراير 2010 والمتعلق بالصيدلة على أنه "يتم حساب أسعار الأدوية للجمهور كما هو محدد في المواد 9 و 10 وذلك انطلاقا من سعر الموزع بالجملة خارج الرسوم"، وتقدم المواد المحال إليها في هذه المادة (9 – 10) تعريفات للأدوية وأنواعها".

 

أما المادة: 61 فنصت على تحديد "هوامش ربح مستوردي وموزعي الأدوية وصيدليات التجربة ومستودعات الأدوية بواسطة مقرر مشترك صادر عن الوزير المكلف بالصحة والوزير المكلف بالتجارة بعد أخذ رأي الهيئات المهنية الصيدلانية الممثلة"، وهو المصدر الذي صدر بالفعل، لكن تطبيقه ظل حبرا على ورق.

 

وقد أجرت صحيفة الأخبار إنفو عدة تجارب على أدوية شائعة الاستعمال، وقارب فارق السعر أحيانا 20%، وذلك لدى الصيدليات المشهورة والمعتمدة في وسط العاصمة انواكشوط. أما في صيدليات الأطراف – ولدى المهربين – فتجاوز الفرق 50%.

 

وسبق لصحيفة الأخبار إنفو أن نشرت حلقتين من سلسلة حلقاتها عن الأوضاع الصحية في البلاد، وكان الحلقة الثانية منها عن "استفحال تجارة الموت في موريتانيا"، من خلال تحولها إلى مركز للتوزيع الأدوية المزورة في غرب إفريقيا.

 

 

 

 

 

 

الأحدث